كلمة رئيس الجامعة في حفل تخريج الفوج السابع والثلاثين

كلمة رئيس الجامعة في

حفل تخريج الفوج السابع والثلاثين

18 أيار 2012

 

معالي الدكتور حسين الأعرج، ممثل
الرئيس محمود عباس راعي الحفل،

السادة رئيس وأعضاء مجلس الأمناء
المحترمون،

أصحاب السعادة ممثلو الهيئات الرسمية
المحترمون،

السيدات والسادة أهالي الخريجين،

الزميلات والزملاء أعضاء المجالس في
الجامعة وهيئتها التدريسية،

الخريجات العزيزات، الخريجون الأعزاء،

أيها الحفل الكريم،

يسعدني أن أرحب بكم في رحاب جامعة
بيرزيت في هذا اليوم السعيد المشهود.

كدأب الفتيات والفتيان، ربما تظن
خريجاتنا الصبايا ويظن خريجونا الشباب أن السنين قد مرت بطيئة متثاقلة. أما في نظر
أمهاتهم وآبائهم وأهلهم فقد مضت السنون بلمح البصر، رغم كل الجهد والعناء، حتى كأن
يوم الولادة يبدو وكأنه البارحة، خاصة بالنظر إلى السعادة الغامرة التي يشعرون بها
اليوم. فإذا كان هذا اليوم هو حقاً يوم الخريجات والخريجين، فإن من الصحيح أيضاً
أنه لا أسعد اليوم من الخريجات والخريجين غير أمهاتهم وآبائهم وأهلهم، فلهؤلاء كل
الاحترام والتقدير. دعونا نمنحهم جولة تصفيق حار طويلة امتنانا وعرفانا.

أيها الحفل الكريم،

أستميحكم عذرا إن أنا وجهت باقي خطابي
إلى الخريجات والخريجين.

عزيزاتي الخريجات، أعزائي الخريجين،

بدءاً، أهنئكم وأهنأ أهلكم وأحباءكم
وأصدقاءكم بكم. ها أنتم تقطفون اليوم ثمار سنوات من العمل الجاد على مقاعد
الدراسة، فهنيئا لكم ما صنعت أيديكم وطوبى لكم.

يتوقع من خطيب حفل التخرج أن يتحدث عن
النجاح وعوامله ويحث عليه. وسأفعل. لكنني اليوم أريد أن أفرد حيزا كبيرا أتحدث فيه
عن الحب. عن ماذا؟ ستقولون: ما الذي دها هذا الرجل؟ مهلاً، إن أعطيتموني فرصة
ستجدون أن الأمر ليس بهذه الغرابة.

لأحدثكم أولا عن النجاح. لا شك لدي أن
المعارف التي اكتسبتموها والخبرات التي راكمتموها خلال دراستكم في أفضل جامعات
الوطن، جامعة بيرزيت، تؤهلكم للنجاح في حياتكم المقبلة. بالطبع لن يكون النجاح
سهلا، فشروطه اللازمة هي المثابرة والانفتاح على الثقافات والأفكار والتفكير المنطقي
غير الرغائبي والمنحى النقدي غير الهَيّاب ومَلـَكَة الخلق والإبداع والقدرة على
التعلم مدى الحياة. لكنني على يقين من أن جامعة بيرزيت قد زودتكم بكل هذه الشروط.
وهناك في الواقع الموضوعي ما يسند يقيني. فأينما وجّه المرء نظره وجد خريجي بيرزيت
يتبوؤون مناصب قيادية في التعليم والسياسة والاقتصاد والمجتمع المدني، حتى لأخال
أنه يحق لنا أن نقول بثقة كاملة أن جامعتنا مدرسة للقيادة بامتياز. وليس من قبيل
الصدفة أن أكثر من ثلث وزراء حكومتنا العتيدة الجديدة أعضاء في عائلة جامعة بيرزيت
الممتدة، من الدكتور نبيل قسيس وزير المالية ورئيس جامعتنا السابق، إلى الدكتور
علي الجرباوي وزير التعليم العالي عميد كلية الحقوق والإدارة العامة الأسبق إلى
الدكتور سعيد أبو علي وزير الداخلية 
والدكتور يوسف أبو صفية وزير البيئة والدكتور علي مهنا وزير العدل
والأستاذة رولا معايعة وزيرة السياحة والأستاذ عيسى قراقع وزير شؤون الأسرى.

نعم جامعة بيرزيت مدرسة للقيادة
بامتياز. وكلي ثقة من أنكم ستسيرون على الدرب نفسه الذي اخْتـَطـّه خريجونا من
قبلكم وأنكم ستواصلون لعب أدوار قيادية في خدمة الوطن والناس وأنكم ستكونون كما
الذين من قبلكم مَضْرِبَ مثل في النزاهة والتجرد، وأنكم أيضا ستظلون كما كان من
سبقوكم أوفياء لجامعتكم الأم، حريصون على التواصل معها ودعمها. فرفعتكم من رفعتها
وعزكم من عزها، وهي في خدمتكم وأنتم في خدمتها على ما نأمل أنّى أخذَتْكم دروب
الحياة.

ها قد حدثتكم عن النجاح، والآن أريد أن
أحدثكم عن الحب. سبق لي أن قلت في مناسبات عدة إننا بالمعايير الكونية نعيش عصرا
سعيدا بفضل تقدم العلوم والتكنولوجيا، ذلك التقدم الذي يوفر لنا إمكانات هائلة
للاستمتاع بالمعرفة وبثمارها. ومن بين العلوم التي حققت تقدما مذهلا خلال العقود
الثلاثة الماضية علم الإدراك Cognitive Science. لست بهذا الموضوع خبيرا، لكنني اطلعت على بعض
ما يذهل من النتائج التي توصل لها. يعلم بعضكم، إن لم يكن كلكم، أن مخ الإنسان
يحتوي على مائة مليار نيورون (أو عصبون) وأن كلا منها يتصل بما بين ألف وعشرة آلاف
اتصال مع النيورونات الأخرى. وعلى هذا احتسب البعض أنه إذا أخذنا بالاعتبار كافة
التباديل والتوافيق فإن عدد تواصلات نشاط المخ يفوق عدد الجزيئات الأولية في الكون
كله. ما يهمني هنا هو أنه اكتشف حديثاً نسبياً نوع من النيورونات (العصبونات) يسمى
نيورونات المرآة. وهذه النيورونات تطلق عندما يرى المرء شخصاً آخر يقوم بعمل ما أو
يبدي شعوراً ما كما لو أن المرء نفسه هو الذي يقوم بهذا العمل أو يشعر بهذا
الشعور. بعبارة أخرى، تجعل هذه النيورونات المرء يضع نفسه مكان الآخر. ومن هنا
أطلق عليها نيورونات empathy . وكلمة empathy التي تصعب ترجمتها تعني في آن معا التشاعر، أي
الشعور بمشاعر الآخرين، والمشاركة الوجدانية والتعاطف، ومن الواضح أنها أساس الحب.
يقودنا ذلك إلى أننا كبشر مجبولون بطبيعتنا البيولوجية على الحب والتعاطف والشعور
مع الآخرين. من جهة أخرى، يذهب بعض علماء الإدراك إلى أن نيورونات التعاطف
والتشاعر هذه هي التي صاغت وقولبت الحضارة والمدنية، أي أن الحضارة والمدنية بل
والاجتماع الإنساني مبنية كلها على الحب والتعاطف. رسالتي، إذاً، هي أنكنّ يا خريجاتنا
العزيزات ويا خريجينا الأعزاء مدعوون في كل ما تفعلون إلى تبني الحب والتعاطف،
وخاصة مع من هم أقل حظا منكنّ ومنكم. والواقع أن ذلك بالضبط هو ما قصده شاعرنا
العظيم بل وشاعر الإنسانية جمعاء محمود درويش عندما قال:

فكر بغيرك

وأنت تخوض حروبك، فكر بغيرك،

لا تنسَ من يطلبون السلام

وأنت تسدد فاتورة الماء، فكر بغيرك

من يرضعون الغمام

وأنت تعود إلى البيت، بيتك، فكر بغيرك

لا تنسَ شعب الخيام

وأنت تنام وتحصي الكواكب، فكر بغيرك

ثمة من لم يجد حيزاً للمنام

وأنت تحرر نفسك بالاستعارات، فكر بغيرك

من فقدوا حقهم في الكلام.

سيداتي وسادتي،

ربما لاحظ بعظكم عندما تفحص كتيب
التخريج أن عدد خريجاتنا هذا العام يبلغ 1267 وأن عدد خريجينا يبلغ 738، أي أن عدد
خريجاتنا يبلغ تقريبا ضعف عدد خريجينا. وإننا بذلك لفخورون أيما فخر. دعوني إذاً أوجه
خطابي لخريجاتنا العزيزات خاصة.

قيل ذات مرة إنك إن علّمت شابا فإنك
تكون قد علمت شخصا، أما إن علمت فتاة فإنك تكون قد علمت أجيالا. وذلك صحيح لا مراء
فيه، غير أنه يشدد على دور واحد هو دور تربية الأطفال. وهو دور أيضاً لا مراء في
أهميته وطوبى لمن اختارته دوراً رئيسياً لها. لكنني أود أن أقول لـَكُنّ إن العالم
كله ملككنّ فتقدمن لتأخذنه عنوة بالعمل المثابر الدائب الطموح. لكنّ أن تكنّ مدرّسات
وعالمات ومهندسات وطبيبات وأكاديميات وسياسيات وصاحبات أعمال واقتصاديات. باختصار
لكُنّ أن تكُنّ ما يطيب لكُنّ. وينبغي في عرفي أن لا تكتفين بأن يكون لكنّ مكانٌ
إلى الطاولة بل أيضا أن يكون لكُنّ في أحيان كثيرة مكان إلى رأس الطاولة.

عزيزاتي الخريجات وأعزائي الخريجين،

أنتم أمل المستقبل: فلتحققوا هذا الأمل
بالوعي العصري المتمدين الرافض للظلامية والجهل والتجهيل والخرافة والتدليس والدغماتية
والغوغائية والتعصب والانغلاق.

أتمنى لكنّ ولكم مستقبلاً باهراً في
وطن حر سعيد.

وشكراً.