كلمة رئيس الجامعة في حفل تخريج الدورة الصيفية للفوج السادس والثلاثين - إضاءات

رئيس مجلس الأمناء،  الدكتور حنا ناصرالمحترم،

السيدات والسادة
أهالي الخريجين،

الزملاء والزميلات
أعضاء المجالس في الجامعة وهيئتها التدريسية،

الخريجات العزيزات، الخريجون
الأعزاء،

أيها الحفل الكريم،

 

يسعدني أن أرحب بكم
في رحاب جامعة بيرزيت في هذا اليوم السعيد المشهود.

كدأب الفتيات
والفتيان، ربما تظن خريجاتنا ويظن خريجونا بعمرهم الذي يزيد عن العشرين قليلا أن
السنوات قد مرت بطيئة متثاقلة. أما في نظر أمهاتهم وآبائهم وأهلهم فقد مضت السنون
بلمح البصر، رغم كل الجهد والعناء، حتى كأن يوم الولادة يبدو وكأنه البارحة، خاصة
بالنظر إلى السعادة الغامرة التي يشعرون بها اليوم. فإذا كان هذا اليوم هو حقا يوم
الخريجات والخريجين، فإن من الصحيح أيضا أنه لا أسعد اليوم من الخريجات والخريجين
غير أمهاتهم وآبائهم وأهلهم، فلهؤلاء أيضا كل الاحترام والتقدير، ودعونا نمنحهم
جولة تصفيق حارّ طويلة امتنانا وعرفانا.

أيها الحفل الكريم،

أستميحكم عذرا إن أنا
وجهت باقي خطابي إلى الخريجات والخريجين.

عزيزاتي الخريجات،
أعزائي الخريجين،

بدءا، أهنئكم وأهنأ
أهلكم وأحباءكم وأصدقاءكم بكم. ها أنتم تقطفون اليوم ثمار سنوات من العمل الجادّ
على مقاعد الدراسة، فهنيئا لكم ما صنعت أيديكم وطوبى لكم.

عندما كنت في عمركم
كنت أضيق ذرعا بالنصائح التي يوجهها لي من هم أكبر سنا. وكان أن مضت سنون قبل أن
أتنبّه إلى أن بعض هذه النصائح سديدٌ مفيد، وإني لآمل ألاّ يلاقي بعض نصائحي على
الأقل مصيرَ النصائح التي أسديت لي عندما كنت في عمركم.

عزيزاتي وأعزائي،

لا شك لدي في أن
المعارف التي اكتسبتموها والخبرات التي راكمتموها خلال دراستكم في أفضل جامعات
الوطن، جامعة بيرزيت، تؤهلكم للنجاح في حياتكم المقبلة. لكن عليّ أن أصدقكم القول إن
النجاح لن يكون سهلا. على المرء أن يواصل طـَرْقَ باب النجاح حتى تدمى منه وتتقرح
مفاصل الأصابع. ومرة بعد مرة، سيوصد الباب في وجه المرء فيتعثر ويقع. ومرة بعد
مرة، على المرء أن ينهض من عثرته وينفض الغبار عن ثيابه ويواصل الطـَرْقَ حتى
ينفتحَ الباب على مصراعيه. ستسمعون من يقول: إن فلانا حالفه حظ النجاح. والواقع أن
النجاح كما قال لوي باستير، مكتشف الجراثيم، يحابي العقل المعدّ جيدا المتأهب
المتحفز، أو كما قال توماس إيديسون، مخترع المصباح الكهربائي والمسجل الصوتي
(الغراموفون)، النجاح 10% إلهامٌ و90% كدح وعرق.

وإذا كنا قد ساعدناكم
خلال دراستكم على أن تعدّوا للنجاح عدّته، وإذا كنا كما نفعل نحضكم على النجاح
ونحثكم إليه، فلا يعني ذلك النجاح بأي ثمن. فكما قيل: ليس من الحكمة في شيء أن
يربح المرء الدنيا ويخسر نفسه. النجاح، نعم! لكن النجاح الحق هو ذاك المقترن
بالنزاهة. وليست النزاهة فحسب كفّ اليد عن المال العام والحرص عليه، بل هي أيضا
ألاّ يقامر المرء أو يغامر بأموال الناس وأرزاقهم إن كان مؤتمنا عليها، وأن يكون
صادقا مع نفسه قولا وعملا، وأن يتبع في كل الأمور نداء قلبه ومقتضيات قناعاته، وأن
يُعلي المنطق، وخاصة منطق العدل والرأفة، على كافة الأهواء والتحيزات، وأن يفعل
ذلك كله في الأوقات كلها، فلا يقع ضحية غواية "سأفعلها هذه المرة فقط لا
غير"، أي أن لا يسلك مسلك ذلك القديس الذي يُحكى أنه كان في شبابه يتضرع إلى
الله قائلا:"اللهم اجعلني عفيفا، ولكن ليس بعدْ".

عزيزاتي وأعزائي،

قد تستغربون إن قلت
لكم إنكم ونحن محظوظون لأننا بالمعايير الكونية نعيش عصرا سعيدا. صحيح أن في
واقعنا الفلسطيني ما يفطر الفؤاد: احتلالٌ وقهرٌ وأسرٌ ونكرانٌ للحقوق الأساسية.
وصحيح أن العالم مليء بمآسي الجوع والفقر والمرض، وصحيح أننا كبشر لم نسيطر بعد
على الزلازل والبراكين والتسونامي وما زلنا ندفع ثمنا رهيبا لغضب الطبيعة. مع ذلك،
تخيلوا معي مبلغ دهشة وسعادة أرسطو وأرخميدس وابن الهيثم والخوارزمي وغاليليو
وكوبرنيكس ونيوتن وحتى أينشتاين لو أتوا اليوم ليجدوا أننا قد فككنا شيفرة الجينوم
البشري وكشفنا أسرار ما تحت الذرّة واستكشفنا مجّرات وعوالم بعيدة مئات السنوات
الضوئية وطوّرنا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والقائمة تطول! غير أن المشاركة
في هذه السعادة تتطلب التعلـّم مدى الحياة. وليس التعلـّم في مجال اختصاص المرء
ونطاق عمله فحسب، بل وأيضا في آفاق العلم والأدب والفن الرّحِبَة. والحق أن سعة
الاطلاع ورحابة المعرفة ليست شرطا للسعادة فقط، بل وللنجاح في عالم اليوم كذلك. والواقع
أن سعة الاطلاع تمكّن من سعادة المعرفة، كما تثري المخيلة وتطلق العنان للخيال
المبدع الخلاق وتصبح مصدر وحي وإلهام.

 

نعم، إنه لعصرٌ سعيد
على الصعيد الكوني! وقد بدأت منطقتنا تدخل هذا العصر السعيد بفضل انتفاضات الشباب
الذين أبَوْا رغم كل القهر والتعتيم والظلامية إلا أن يكونوا جزءا من العالم
المعاصر تحركهم هموم الكرامة والحرية والعدالة. دعونا نأمل أن تنتفض منطقتنا
العربية بأكملها على عفن وفساد وتكلـّس وتخلـّف دام عقودا لتلحقَ بركب الحضارة
بفضل الشباب المتعلم الواعي العصري المتمدن الرافض للشعبوية والظلامية والجهل
والتجهيل والدغماتية والغوغائية والتعصب والانغلاق. بعبارة أخرى، أنتم الأمل، أنتم
ونظراؤكم في باقي بلاد العرب.

عزيزاتي، وأعزائي،

محظوظ من يترك أثرا
على رمال الحياة. ولا يترُكَن أحد مثل هذا الأثر إلا بالعمل الصالح. فكما تعلمون،
يذهب الزَبَد جُفاء، وأما ما ينفع الناس من علم وأدب وفن وتكنولوجيا فيبقى في
الأرض. أتمنى أن يترك كل منكم أثرا.

عزيزاتي وأعزائي،

في مستقبل الأيام
ستنظرون إلى وقتكم في الجامعة بكثير من الحب وكثير من الحنان وفيض من الحنين،
ولربما ستقولون كانت تلك أجمل أيام العمر. وسنشعر نحن أساتذتكم بالفخر إذ نسمعكم
تقولون ذلك. ولكن، ولكن، دعوني أقول صدقا إن الأمر يعود لكم، يعود لكم أن تجعلوا
دوماً أجمل الأيام تلك التي لم تأتِ بعدْ. أتمنى أن تفعلوا. وشكرا.