اختتام أعمال مؤتمر معهد مواطن السنوي ال28
اختُتِمت أعمال مؤتمر معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان - جامعة بيرزيت اليوم السبت، في دورته الثامنة والعشرين، تحت عنوان "فاعلو التغيير المجتمعي: تضييق مساحات العمل واستراتيجيات الصمود"، بترتيب هجين في حرم جامعة بيرزيت وعبر الفضاء الإلكتروني، وذلك بمشاركة العديد من الأكاديميين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم في يومه الثاني والأخير، بثلاث جلسات مُفصّلة ونوعية بمتحدثيها وأوراقها كما الآتي.
فقد استهل اليوم الثاني والأخير للمؤتمر بالجلسة الرابعة بعنوان "مفارقات التفاعلات في الحيز العام"، التي ترأسها الدكتور باسم الزبيدي عضو الهيئة الاكاديمية في جامعة بيرزيت، وقدم الورقة الأولى الدكتور جورج جقمان وهوعضو الهيئة الاكاديمية في جامعة بيرزيت بعنوان "ليس دائما تضييق المساحات وإنما عدم فاعلية العمل على التغيير:الأسباب في الحالة الفلسطينية"، فإنه يوج مساعي مستمرة لتضييق مساحات الاحتجاج والعمل من أجل التغيير والإصلاح، ولكن لم يمنع وجود مساحات جرى الإفادة منها الاحتجاج والتغيير في مناسبات عدة، مثل إضراب المعلمين في عدة سنوات، والحراك ضد قانون الضمان الاجتماعي، والاحتجاجات التي طالبت بمحاسبة المسؤولين عن قتل نزار بنات. وبتفاوت النتائج من ناحية الإنجازات فإنه من الضرورة التركيز على الآليات الضرورية لتحقيق النتائج المرجوة، فإن الدكتور جقمان لخّص في ورقته على نقطتين؛ الأولى: وجود أحزاب قوية تسعى للتغييروتناهض تضييق مساحات العمل، والنقطة الثانية: وجود نقابات باختلاف أنواعها مهنية وعمالية مستقلة عن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي.
أما الورقة الثانية كانت حول "النقابة كحيز عام: النطاقين العام والمهني للعمل النقابي"، قدمتها الاستاذة دانا فرّاج وهي باحثة مساعدة في معهد مواطن. وتناولت في ورقتها الحركة العمالية والنقابية والتنظيم النقابي الجماهيري في نطاقيه العام والمهني والذي يشكل أساسا لبناء عمل جماعي منظم لتنظيم المجتمع، وفي الوقت ذاته عدم طغيان شكل من أشكال التنظيم المجتمعي على آخر، وضمن فهم سقف العمل النقابي وحدوده، فإن النضال المطلبي يؤثر على النضال الوطني التحرري ويتأثر به، فالمصلحة الوطنية والعامة أوسع من مصلحة النضال النقابي ويجب أن تطغى عليه. وركزت الأستاذة فرّاج على تحديات الواقع النقابي والمحاولات المستمرة لتضييق المساحات في النقابات باعتبارها الحيز العام للعاملين، ومسألة بناء التحالف وتشابك النضالات، وكيفية بناء المطالب وتكوين الهوية المجتمعية والمطلبية.
وانتقالا إلى الجلسة الخامسة بعنوان "استراتجيات صمود وبدائل لانعتاق الحيز العام" والتي ترأسها الدكتور علاء العزة مدير برنامج الدراسات العربية والفلسطينية في جامعة بيرزيت، وفي الورقة الأولى بعنوان: "التنظيم والتأطير كآليات نجاح حركات الطبقة الوسطى الاجتماعية "التي قدمتها الأستاذة أنمار رفيدي الباحثة في مؤسسة ماس، والتي استعرضت فيها مجموعة من الآليات التي تمكّن من خلالها الحراك ضد الضمان الاجتماعي عام 2018-2019، والذي تمكّن من النجاح في التحشيد ليكون الأول في قدرته على الاستمرارية والحشد، وتناقش الأستاذة رفيدي التنظيم الداخلي للحراك، وتأطير الحركة وخطابها وما يسمى في نظريات الحركات الاجتماعية "البنية السياسية" وكيف استغل الحراك تلك البنية السياسية لصالحها بطريقة تتمكن من الوصول إلى الأفراد بشكل فعال أكبر، واستخلصت الدروس في التنظيم في السياق السلطوي.
والورقة الثانية قدّمها الدكتور بلال سلامة وهو عضو الهيئة الاكاديمية في دائرة العلوم الاجتماعية في جامعة بيت لحم، بعنوان "الفاعل الاجتماعي الفلسطيني: من الفعل المجزأ إلى الفعل التكاملي" يجادل فيها أن البنية المجتمعية تُعدّ عاملا أساسيا في فهم وإدراك الفعل الاجتماعي وخطابه وأثره في الواقع العملي اليومي المعاش، مما دعى دراسة وتفكيك المتغيرات وأثرها على التحولات التي جرت بفعل الجماعات المهيمنة والقوى السياسية على الفعل الاجتماعي في السياق الفلسطيني والذي يتقاطع بصورة ما مع السياق العربي ضمن التحولات النيوليبرالية. مما دفعت الفاعلين الاجتماعيين إلى البحث عن الحلول والخلاص الفردي والعمل الاجتماعي المُجزّأ، الذي يفتقد للحلول الشاملة وإعادة المسار الصحيح لمعنى الفعل الاجتماعي في السياق الاستعماري.
في الورقة الثالثة بعنوان: " تغذية الحوار الجمعي: متحف جامعة بيرزيت وممارسات تفكيك الاستعمار" قدمتها الدكتورة رنا بركات مديرة المتحف في جامعة بيرزيت، تطرقت في ورقتها بالنظر إلى الطبيعة الاستعمارية للمتحف الحديث أو ممارسات التجميع، يدور إطار إنهاء الاستعمار في المقاوم الأول حول العودة إلى الوطن، في حين المخاوف واضحة في فلسطين حيث نرزح تحت غزو استعماري استيطاني مستمر. وتعالج د. بركات الإحساس بالممارسة الراديكالية، وكيف يمكن إنهاء استعمار المتحاف الفلسطينية من خلال متحف بيرزيت بتجاوز حدود الحفظ والحماية إلى الممارسة الثورية من حيث التبادل الثقافي والمعرفي، ويكون مكانا عاما مفيدا ضد التعدي النيوليبرالي.
أما الجلسة السادسة والختامية بعنوان: "آليات الصراع في الحيز العام وبشأنه" ترأسها الدكتورة بيان عرقاوي عضو الهيئة الأكاديمية في في جامعة بيرزيت، والورقة الأولى التي كانت بعنوان: "منظمات المجتمع المدني الفلسطيني بين تضييق الاحتلال، والسلطة والممّول"، قدمتها الأستاذة سحر فرنسيس مديرة مؤسسة الضمير، ركزت فيها على ملاحقة مؤسسات المجتمع المدني واستهدافها بشتى السبل، وهي استراتيجية ليست حديثة تستخدمها سلطات الاحتلال، فمنذ سنوات الاحتلال الأولى حاربت الاتحادات والجمعيات والأندية والحركات الطلابية وغيرها، استنادا إلى أنظمة الطوارئ والأوامر العسكرية، واعتبرتها منظمات غير قانونية وأغلقت مقارّها وصادرت ممتلكاتها، وتلك كانت أداة من أدوات الاحتلال للسيطرة والتحكم في نمو المجتمع الفلسطيني وتطوره. فإن تضييق مساحات عمل المؤسسات الفلسطينية لم يتقصر فقط من سياسات الاحتلال، بل مع الأسف كان للسلطة الفلسطينية دورا في تقييد عمل المؤسسات الأهلية تماشيا مع أمر سياسات الداعمين والممولين.
الورقة الثانية والنهائية كانت بعنوان: "الحركات الاجتماعية: قوة الشعب في كولومبيا" قدمتها الأستاذة ساندرا راتيفا وهي عضوة في حركة "مؤتمر الشعب" في كولومبيا، وتطرّقت في ورقتها على كيف أنشأت مجموعة متنوعة من المنظمات والتجمعات الاجتماعية في أمريكا اللاتينية، طرقا بديلة للبناء والحفاظ على الاقتصاد المحلي والحكم السياسي القائم على الديمقراطية المباشرة، فالأراضي الزراعية الغذائية في كولومبيا، والتعاونيات في أوروغواي، وبلديات السكان الأصليين في المكسيك وغيرها، كانت أمثلة على النضالات المستمر لخلق الظروف المادية والرمزية لإعادة انتاج الحياة. وتجادل الأستاذة راتيفا في ورقتها كيف كانت المبادرة نتاجا لتاريخ طويل من النضالات من أجل الأرض، والمياه، والسيادة على الغذاء، واستعادة البذور المحلية بالنهاية من أجل الدفاع عن الأراضي. فإن التقاء نضالات السود والسكان الأصليين والفلاحين، وتبادلهم للتجارب خلق وعيا جماعيا حول مجموعة من المفاهيم: "الأراضي"، العلاقة بين الناس والطبيعة والحياة والثقافة والاقتصاد، كتجربة جماعية معقدة وشاملة لمكافحة الهيمنة ومواجهة الدولة والفرض العدواني لرأس المال.
وفي نهاية المؤتمر ختمت الدكتورة بيان عرقاوي شكرها لجميع المتحدثين في المؤتمر والمشاركين، والحضور في القاعة وعبر الفضاء الإلكتروني، وفريق معهد مواطن، وكل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر السنوي لمعهد مواطن في الديمقراطية وحقوق الإنسان للسنة الثامنة والعشرين على التوالي.