اختتام أعمال المؤتمر الدولي السنوي لمعهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية "القضية الفلسطينية في مهبّ إقليم مضطرب"

اختتم الخميس، 26 أيار 2022، الجلسة الرابعة والأخيرة لمؤتمر معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية بعنوان "القضية الفلسطينية في مهبّ إقليم مضطرب". وقد ترأّس الجلسة د. غسان الخطيب، أستاذ الدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت، وقدّم فيها أ. طارق بقعوني، رئيس مجلس إدارة شبكة السياسات الفلسطينية، مداخلة أبرز من خلالها ما طرأ في العقد الماضي من تحولات في البُنية الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد أدت إشارات الولايات المتحدة حول انسحابها من المنطقة إلى نشوب حالة من التوترات بين القوى الإقليمية. كما استمرت حروب الوكالة، وتعثرت الثورات العربية في ظل نظام جديد قيد الإنشاء توضحت معالمه باتفاقات التطبيع. فالعلاقات بين إسرائيل (دولة الفصل العنصري) ودول التطبيع الاستبدادية تَنُمّ عن ركيزة مهمة للمشهد الإقليمي، وهي طبيعة العلاقات بين الطرفين، والمتمثلة برؤية إقليمية مشتركة في جوانب عدة، إلا أنها رؤية قائمة على الالتزام بالهيمنة المناهضة للديمقراطية.

قام بقعوني بوضع فهم للتحولات الواسعة في سياق ثورات 2011 التي اجتاحت المنطقة. فغالبية شعوب المنطقة ترى أن النظام الإقليمي الجديد المتمثل في "الاستقرار الأمني" لم يلبِ المطالب الرئيسية التي أشعلت الاحتجاجات. ولكن جاءت النتيجة عكسية، كونها لم تُزل الاستبداد، إضافة لارتفاع درجة العنف الممنهج من جانب الأنظمة. يستنتج بقعوني أن الهوّة تتسع أكثر بين النظام السياسي والشارع عن ذي قبل؛ بسبب الأساليب القمعية الجديدة التي تمخضت عن التحالف بين الاستعمار الإسرائيلي والاستبداد العربي الرسمي. وخلُص بقعوني إلى أن الفلسطينيين لا بد وأن يعتمدوا على بناء تحالفات إقليمية وعالمية وحركات ومنظمات تقاوم الاستعمار في ضوء نظام دولي متحوّل، وأيضاً إنشاء حركة شاملة فلسطينياً، والاستثمار في التحولات الاجتماعية الغربية.

وشاركت د. ليلى فرسخ، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ماساتشوستس، بمداخلة ركّزت من خلالها على تغيّرات دولية وإقليمية انعكست جميعها على القضية الفلسطينية. لكن هذه التغيّرات أدت إلى تهميش القضية الفلسطينية. وهي: الانسحاب الأميركي من المنطقة بدءاً من عام 2012، إذ كان هذا الانسحاب مرتبطاً بتحوّل السياسة الأميركية، والقائمة على سحب القوات العسكرية مقابل الاعتماد على التوازن الإقليمي، خاصة بين إيران وإسرائيل، ودول منوط بها المحافظة على التوازن والمصالح الأميركية.

أشارت فرسخ إلى أن القبول الأميركي بالموقف الإسرائيلي هو قبول لمحاولة إدارة الصراع، ومبنياً على الاستبداد الفلسطيني الداخلي للحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، مقابل تحديد قضية فلسطين بمشروع دولة.

أما المتغيّر الدولي الثاني فهو الحرب الروسية – الأوكرانية، وهو تحوّل دولي على الصراع بين الغرب والصين، وبمعطيات حرب باردة جديدة غير معهودة، كون الثقل الغربي – حالياً –  يتركّز في أوروبا. وأخيراً فإن المتغيّر الدولي الثالث هو تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وأهمها: الأزمة الغذائية العالمية وما رافقها من ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالقمح.

أجملت فرسخ المتغيرات الإقليمية باتفاقات التطبيع التي همّشت القضية الفلسطينية، وتداعت سلباً باتجاه التوافق الأمني بين أنظمة عربية وإسرائيل (شراكة استعمارية – استبدادية). وثانياً الأوضاع المأساوية لشعوب عربية عديدة. وفي ختام مداخلتها قدّمت فرسخ سؤالاً يتعلق بكيفية التعاطي مع تلك المتغيّرات. واستخلصت إلى أن التقارب الإسرائيلي مع بعض الدول الخليجية قد أثبت أن الموقف الشعبي العربي يقف سداً منيعاً أمام الاستبداد والاستعمار. أما الواقع الفلسطيني فهو بحاجة لصياغة مشروع وطني يقوم على ضمان الديمقراطية ومشاركة الحراكات الشعبية. كما أكدت على ضرورة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.

قدّم المداخلة الثالثة والأخيرة، د. علي الجرباوي، أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة بيرزيت، وقد بنى من خلالها على التفريق بين المنظورين التاريخي والسياسي للقضية الفلسطينية في محاولة لاستشراف المستقبل الفلسطيني، بناءً على حركة التاريخ من جهة، وواقع الدولة الإسرائيلية المأزوم من جهة أخرى. هذه الرؤية تقرأ التاريخ للتنبئ بالمستقبل. فالمشروع الصهيوني الوافد من العالم الغربي تأسس على خرافات صهيونية. كما أنه – إلى الآن – يُعال من قوى عظمى مهيمنة، عبر إسنادٍ سياسي ومالي ودبلوماسي غير محدود. والنتيجة هي فشل المشروع الصهيوني بالمنحى التاريخي. ويشير الجرباوي إلى أن إسرائيل التي تخشى فقدان السيطرة، وترتبك من رمزية العلم الفلسطيني ونعش شهيدة فلسطينية، بل وتستنفر قواتها للاستعداد لتيسير مسيرة "الأعلام" إسرائيلية في القدس، ما هي إلا مشروع فاشل.

في المقابل يرى الجرباوي أن المنظور السياسي هو بحاجة لفعلٍ سياسي، والذي يحتاج لمشروعٍ وطني، لكنه مشروعٌ مفقودٌ وضائع، نظراً للحال الفلسطيني المأساوي. وخلص الجرباوي إلى أن الوضع الدولي لم يكن في يومٍ من الأيام في صالح الفلسطينيين، كون القوى الدولية لا ترغب بـ"حل الصراع"، وإنما "إدارة الصراع"، والتي تعني السعي لتخفيف حدّة الصراع بين الطرفين قدر الإمكان، وترحيل الصراع بينهما إلى المستقبل. ونوّه الجرباوي إلى أن الإسناد العربي التقليدي كان إسناداً مهماً للقضية الفلسطينية، ولو رسمياً. فقد كان التطبيع العربي مع إسرائيل، في الماضي، يجب أن يمر عبر القضية الفلسطينية. لكن ما حصل إثر موجة التطبيع هو فصل التطبيع عن القضية الفلسطينية. وفي المحصلة، فإن إسرائيل استطاعت أن تجعل الصراع العربي – الإسرائيلي مجرد صراع فلسطيني محلي قوامه الخلافات الداخلية. وقد خلُص الجرباوي إلى ضرورة إعادة الاعتبار للمشروع الفلسطيني عبر مشاركة شاملة للفلسطينيين من جهة، وتفعيل النظام السياسي الفلسطيني من جهة أخرى.

وفي ختام الجلسة الرابعة والأخيرة، قدّم المشاركون ملاحظاتهم الختامية، وبمشاركة واسعة من الحضور عبر المداخلات والأسئلة. واختتمت في نهاية الجلسة أعمال المؤتمر السنوي لمعهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية لهذا العام.