إغلاق جامعة بيرزيت والمسؤولية الوطنية

إغلاق جامعة بيرزيت والمسؤولية الوطنية
بقلم : د. حنا ناصر

 

 

لقد
وقع المحظور! فجامعة بيرزيت التي تم تطويرها من كلية صغيرة إلى جامعة إبان
السنوات الأولى للاحتلال وبالرغم منه، نرى أبوابها اليوم وللأسف مجنزرةً
ورسالتها متعثرة منذ أكثر من أسبوعين، وآلاف من الطلبة والأستاذة والعاملين
غير قادرين على الوصول إلى حرمهم الجامعي – إلى بيتهم الثاني وحاضن
أحلامهم وطموحاتهم.
إنها لمفارقةٌ حزينة أن يحدث هذا في ظل وجود سلطتنا الوطنية. ولا أعتقد أنه
يجوز للجهات الرسمية أن تقف متفرجةً أمام مشهدٍ تقوم به مجموعةٌ من الطلبة
(بالرغم من أنهم منتخبون) متمثلٍ في إغلاق صرح تعليمي، وتعريض آلاف الطلبة
لخسارة أكاديمية في تعليمهم الجامعي. إن التعامل مع هذا الإغلاق هو
مسؤولية وطنية، فالكل يعرف أن الكتل الطلابية المنتخبة لها امتدادات مباشرة
ومعلنة مع القوى والفصائل السياسية، وأن الانتخابات الطلابية هي تعبير عن
قوة تلك الفصائل ومنزلتها، وبالتالي تقع على هذه الفصائل مسؤولية كبرى في
توجيه الطلاب فيما يقومون به في موضوع إغلاق الحرم الجامعي. فهذا الإغلاق
لا يندرج قطعياً ضمن حرية التعبير عن الرأي، بل على العكس تماما، فإن إغلاق
حرم جامعي - احتجاجا على أي أمر مهما كان نوعه - هو أكثر الإجراءات
المناهضة للحريات الأكاديمية، وهو اعتداء صارخ على حرية التعليم والتعلم.
لقد ذكر لي أستاذ في الجامعة أقدره كثيرا أنه استجاب للنداء الذي وجهته في
مقال سابق لأسرة الجامعة واتصل مع الطلبة لحثهم على إنهاء إغلاق الحرم
الجامعي، وكان ردهم أن إدارة الجامعة لم تحاورهم في مسألة الأقساط ولم
تستشرهم وما شابه، وبالتالي لم تترك لهم مجالا إلا لمثل هذا العمل، وبمعنى
آخر فهم مكرهون عليه.
قد يكون ذلك دقيقاً، ولكن التبرير لردة الفعل غير مقبول، فمشكلة الأقساط
مشكلة بحد ذاتها، ومشكلة إغلاق حرم جامعي وجنزرة أبوابه مشكلة من نوع آخر
ولا يجوز قطعياً الربط بينهما. ويمكن للإنسان أن يبرر الكثير من الأعمال
تحت ذرائع مشابهة، وهي أن ما يقوم به من ردة فعل هو الخيار الوحيد أمامه،
وهذا ما معناه أخذ القانون باليد وضرب حقوق الآخرين بعرض الحائط.
أتساءل، لماذا هذه الضجة الهائلة؟ نعم رفعت جامعة بيرزيت الأقساط، وفي رأيي
أنها تستحق بعض الثناء أنها تقوم بإجراء مالي مناسب في وقت تضاءلت فيها
مخصصات السلطة، وقامت الجامعة برفع الأقساط آخذة بعين الاعتبار أن جميع
الطلبة غير المقتدرين سيحصلون، كما هو متبع في الجامعة، على مساعدات أو
قروض لحل مشاكلهم المالية. نعم، رفعت الجامعة الأقساط ولكنها بقيت أقل
بكثير من تكلفة الطالب الحقيقية، وبالتالي على الجامعة أن تعمل خلال السنة
لتغطية العجز المالي المرتقب. نعم رفعت الجامعة الأقساط ولكن ما زال لديها
نظام يؤكد أن أي طالب يعفى من أقساطه كلياً – نعم كلياً – إذا حصل على معدل
عال (على لائحة الشرف) خلال أي فصل دراسي. أليس هذا نظام متكامل ومشرف
لتغطية جزء هام من تكلفة التعليم الجامعي.
إن الطالب الجامعي لا يتحمل وحده وزر تكاليف تعليمه الجامعي – حتى مع زيادة
الأقساط. هنالك المئات من الشخصيات والمؤسسات الفلسطينية – بما في ذلك
منظمة التحرير الفلسطينية - والعربية والدولية التي ساهمت وتساهم حالياً،
أو بعضها على الأقل، في عملية تعليم الطالب الجامعي. لقد تم دعم عملية بناء
الحرم الجامعي، وتم دعم البرامج الأكاديمية وتم دعم المنح وتم دعم
المختبرات، ولو كان مطلوباً من الطالب دفع جميع تكاليفه لوصلت قيمة الساعة
المعتمدة إلى حوالي ضعف قيمتها الحالية.
إن الجامعة غنية بتراثها وبمبادئها، غنية بأساتذتها وطلبتها وموظفيها
وخريجيها، وهذا الثراء المجتمعي جاء نتيجة سنوات من النضال المشترك
والاحتكام دائماً للعقل والضمير في حل جميع مشاكل الجامعة، فماذا حصل حتى
تقف قوى المجتمع الفلسطيني متفرجةً على أزمة خطيرة تهدد كيان جامعة عريقة
مشهود لها بالتعليم الجيد وبالفكر الليبرالي الحر وبالمواقف الوطنية؟ أم هل
باتت هذه المعايير نقمةً على الجامعة؟!!
يزورني بعض الأصدقاء الذين تهمهم الجامعة وجميعهم يرغبون في المساعدة في
إيجاد حل للمشكلة، وأتذكر أحياناً أن بعض الحلول المطروحة تشابه الحلول
العشائرية في حل القضايا المجتمعية – حلول مؤقتة تعود بعدها وتهب الأزمة
مرة أخرى خلال أشهر قليلة. و"بيرزيت" في وضع لا يحتمل أزمات متواصلة، وقد
نبه الكثيرون على مر السنوات المنصرمة إلى أزمة التعليم العالي المرتقبة،
والذين عملوا في مجال التعليم العالي يدركون قيمة المخصصات المعتمدة
للتعليم العالي على مدى سنوات طويلة وكيف لم يُصرف إلا جزء منها وبات تعبير
"اللي فات مات " الذي نسمعه من آن لآخر من الجهات الرسمية، تعبيراً مؤسفاً
– رضيت به مؤسسات التعليم العالي على مضض على أمل انفراج يخترق هذا الواقع
الأليم.
أعود لأزمة جامعة بيرزيت الحالية، إن الجامعة تحتاج بالتحديد إلى معالجة
مشكلتين: الأولى هي المشكلة المالية المتواصلة، والثانية هي المشكلة الآنية
والمتعلقة بجنزرة أبواب الجامعة وما يترتب على ذلك من خسارة الفصل الصيفي –
على الأقل. إن المشكلة الأولى قابلة للنقاش دائماً وأبداً بالحوار أولاً
وبالحوار ثانياً وبالحوار دائماً، أما جنزرة أبواب الجامعة فهو أمر غير
مقبول تحت أي مسمى، وإنني متأكد أن هذا العمل – أي جنزرة أبواب الجامعة -
لا يرغب فيه أحد من أسرة الجامعة ومن طلبتها – الجدد والقدامى وحتى الطلبة
المعتصمون على أبواب الجامعة منذ أكثر من أسبوعين. كما أنني متأكد أن هذا
ما لا تقبله، أو يجب أن لا تقبله، القوى الوطنية والسياسية التي أخذت على
عاتقها – وبجدارة - قيادة هذا الوطن.