دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية تناقش المصالحة الفلسطينية وأثرها على الحركة الفلسطينية الأسيرة

ضمن الفعاليات المرافقة لمساق «دفاتر السجن: الحركة الفلسطينية الأسيرة»، الذي تطرحه دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية للعام الثالث على التوالي، ويعتبر مساقاً رائداً على مستوى الجامعات الفلسطينية، انطلقت السلسلة الثالثة من «ندوات الحرية» يوم الخميس الموافق 5 تشرين الأول 2017 بمحاضرة افتتاحية استضافت الأسير المحرر عصمت منصور، وكانت بعنوان: «المصالحة الفلسطينية وأثرها على الحركة الفلسطينية الأسيرة». 

تناولت المحاضرة ثلاثة محاور أساسية، هي: واقع الحركة الفلسطينية الأسيرة في ظل الانقسام؛ ومساهمة الحركة الفلسطينية الأسيرة في توحيد الصفِّ الوطني وتسريع المصالحة؛ وانعكاسات المصالحة على الحركة الفلسطينية الأسيرة. 

وقد أوضح منصور أنه فور اندلاع أحداث الانقسام وما رافقها من تجاذبات في الساحة الفلسطينية، عمدت إدارة سجون الاحتلال إلى «الفصل القسري» لأقسام السجون حسب الانتماءات التنظيمية، وذلك عبر فصل أسرى حركتي حماس والجهاد الإسلامي عن بقية الأسرى المنتمين إلى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي رفضته الحركة الفلسطينية الأسيرة وقاومته، بما في ذلك حركتي فتح وحماس. ورغم نجاح محاولة إدارة السجون الصهيونية في الفصل في بعض السجون في جنوب فلسطين (التي تضم عدداً أكبر من أسرى حركة حماس)، إلا أنها لم تنجح بالفصل في باقي السجون، كما أن ذلك الفصل كان «جغرافياً» فقط، ولم تنجح الإدارة في إحداث شرخ في قيادة الحركة الأسيرة. وفي المجمل، يفيد منصور، كان وقع الانقسام كارثياً على الحركة الأسيرة، إذ تمكنت إدارة السجون الصهيونية من نزع بعض الحقوق التي اكتسبها الأسرى عبر سنوات طويلة من النضال خلال فترة الانقسام، مثل فرض الزجاج والحديث من سماعة التلفون، بدلاً من الشبك والتواصل المباشر، خلال زيارات أهالي الأسرى. وهي، بالمناسبة، الحقوق التي خاضت الحركة الأسيرة الإضراب الأخير عن الطعام-«إضراب الحرية والكرامة»(17 نيسان-27 أيار 2017) لإعادة انتزاعها. 

أما في محور المصالحة، فقد أشار منصور أن الأسرى الفلسطينيين كانوا أول من صاغ مبادرة للوفاق الوطني في شهر أيار 2006 حتى قبل البدء الفعلي للأحداث الدامية للانقسام، وهي «وثيقة الأسرى». غير أن الأسرى كانوا أول المتضررين في المجتمع الفلسطيني، إذ أحسُّوا بالخذلان وأن أعمارهم قد أهدرت على نحو مكَّن إدارة سجون الاحتلال من التفرُّد بهم في غمرة انشغال الأطراف السياسية باقتسام المصالح وعوائد السلطة خلال فترة الانقسام. وقد  عانى كثير منهم (وخاصة من اعتقلوا بعد العام 2007) من ملاحقات من السلطة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، حيث تغيرت حدود مفاهيم المقاومة، والوطنية، والخيانة، وأنواعها في أجواء الانقسام. وفي تلك الفترة، لم تعد الطرق المعروفة لتبادل الأسرى هي السائدة، بل أفرج عن مجموعة قليلة (نحو 70 أسيراً) ضمن تفاهمات سياسية مع الرئيس أبو مازن في العام 2013 لم تكتمل «نبضتها الرابعة» من أصحاب الأحكام العالية. هذا بالإضافة إلى «صفقة وفاء الأحرار» أو ما عرفت بـ«صفقة شاليط». فيما رفضت سلطات الاحتلال الإفراج عمن وصفتهم بأن «على أيديهم دماء»، وعن أبناء الحركة الفلسطينية الأسيرة من فلسطينيي فلسطين المحتلة في العام 1948.

ومن وجهة نظر منصور، فإن المصالحة الحالية، التي مارسها الأسرى طيلة فترة الانقسام وحافظوا خلالها على وحدة صفِّهم، جاءت كنقطة تحوُّل لإنهاء هذا الاستفراد بهم، وفتح فسحات أمل بتسريع وتيرة  صفقات الإفراج عن الأسرى، سواء بمبادرات سياسية لم تثمر كثيراً فيما سبق، أو صفقات تبادل تقوم عليها المقاومة الفلسطينية أثبتت جدواها رغم عدم التزام إسرائيل بشروطها حتى النهاية. وقد أشار منصور، أن وجود مصر كطرف في عملية المصالحة الجارية حالياً، وكونها كانت طرفاً راعياً في «صفقة شاليط»، قد يكون له انعكاسات إيجابية على صفقة التبادل القادمة. وقد استتنتج منصور، في نهاية محاضرته، أن الحركة الأسيرة كانت ضد الانقسام، وأصدرت وثيقة الوفاق الوطني، وكانت مبدئياً مع المصالحة لأن «الوحدة قانون الانتصار»… لكنها كذلك، تعقد الكثير من الآمال على نجاح المصالحة لأسباب عملية تتعلق بصفقات التبادل، والإفراج عن الأسرى. وبذلك، «فالمصالحة ليست عصا سحرية، ولكنها مفتاح لكل شيء». 

هذا، ويذكر أن الإسير منصور من مواليد قرية دير جرير-رام الله في العام 1975، وقضى في الأسر في سجون الاحتلال الصهيوني نحو عشرين عاماً (1993-2013)، وألف خلالها العديد من الأعمال الأدبية والبحثية، أهمها: رواية «سجن السجن» (وزارة الثقافة، رام الله، 2011)، ورواية «السلك» (دار الرصيف، رام الله، 2013)، والمجموعة القصصيَّة «فضاء مغلق» (دار أوغاريت، رام الله، 2012)، ويعمل حالياً محرراً للشؤون الإسرائيلية ومترجماً للعبرية في صحيفة الحدث الفلسطينية.