"دفاتر السجن" في ندوة حول الاعتقال الإداري ومقاطعة المحاكم الصهيونية

ضمن فعاليات مساق "دفاتر السجن: الحركة الفلسطينية الأسيرة"، عقدت دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية بالتعاون مع حملة الحق في التعليم في جامعة بيرزيت ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، الندوة الثالثة من سلسلة ندوات الحرية بعنوان " الاعتقال الإداري ومقاطعة المعتقلين الإداريين لمحاكم الاحتلال،" وذلك يوم الخميس الموافق 28 نيسان 2022. وقد استضافت الندوة الأسيرين المحررين والمعتقلين الإداريين السابقين: مالك القاضي وعلاء دنديس، والمحامية تالا ناصر من مؤسسة الضمير، فيما أدارت الندوة وأطَّرتها الدكتورة لينة ميعاري. ويجدر الذكر أن المشاركين جميعاً هم من خريجي جامعة بيرزيت. 

افتتحت الندوة الدكتورة لينة ميعاري بتأطير نظري وتاريخي للسجون الاستعمارية الصهيونية وقضية الاعتقال الإداري، وذلك عبر تناولها خلال لسؤالي السجن والحرية. فالحرية في السياق الاستعماري في فلسطين، حسب ميعاري، مرتبطة برفض الخضوع والامتثال. وبهذا المعنى، فالحرية لا تكون مرتبطة بالجسد الفلسطيني ومكان تواجده داخل الأسر أو خارجه وحسب، وإنما بدوره في الرفض والمواجهة مع المستعمِر. ولذلك، فالأسر مصمم من أجل السيطرة على الفلسطيني من خلال منعه من الانخراط الفعال في مقاومة المنظومة الاستعمارية. والاعتقال الإداري، ضمن هذه المنهجية، هو أداة استعمارية متعددة الأهداف، وأهمها إيصال المناضلين والمناضلات إلى حالة من العجز وعدم القدرة على الاستمرارية في النضال، والسيطرة عليهم، وإخضاعهم، وكسر الروح المقاومة في داخلهم، وتحديداً من يصمدون منهم في مرحلة التحقيق. وعلى الرغم من ذلك، إلا إن الحركة الفلسطينية الأسيرة عملت تاريخياً على مواجهة الاعتقال الإداري، ورفض الامتثال لهذه السياسة، والذهاب نحو خيار المواجهة مثلما حدث في الشيخ خضر عدنان بإضرابه لمدة 66 يوماً في العام 2011، والإضراب الجماعي الذي خاضه 100 أسير لمدة 63 يوماً رفضاً للاعتقال الإداري خلال العام 2014، وما زالت المواجهة مستمرة حتى اليوم، إذ يقاطع المعتقلون الإداريون المحاكم الصهيونية منذ حوالي 120 يوماً. 

وفي الجانب القانوني لقضية الاعتقال الإداري، تحدثت المحامية تالا ناصر عن ماهية الاعتقال الإداري، وكيفية تعامل مؤسسة السجن الصهيونية مع هذا الملف، الملف الذي يكون "سرياً"، ولا يوجد تهم بحق للمعتقل الفلسطيني، بل هو أمر اعتقال لا يترتب عليه حكم بسبب غياب لائحة اتهام تخضع لشروط وضمانات المحاكمة العادلة التي يحاكم بناءً عليها المعتقل "على نحو عادل" حسب المعايير القانونية الدولية. أما في السياق الاستعماري في فلسطين، فإن وجود لائحة اتهام في الحالات "العادية" مقابل غيابها في حالة الاعتقال الإداري، لا يحولها إلى محاكمة عادلة، وذلك بسبب كون المحكمة جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الاستعمارية التي يواجهها الفلسطيني. وقد أشارت المحامية ناصر إلى أن مدة أمر الاعتقال الإداري تتراوح بين شهر وستة أشهر قابلة للتجديد لعدة سنوات. ويخضع المعتقل الإداري إلى المراجعة القانونية أمام المحكمة والتي يكون فيها ثلاثة مسارات للبت في قضية المعتقل: إما الافراج وإلغاء قرار الاعتقال، أو تقصير مدة أمر الاعتقال من ستة أشهر إلى أربعة أشهر، أو تثبيت الأمر بحق المعتقل لكامل المدة. وإضافةً إلى ذلك، أوضحت المحامية ناصر أن الاعتقال الإداري في حالة دولة الاحتلال التي تمارسه تجاه الفلسطينيين كسياسة عقاب، يخالف القانون الدولي وتحديداً اتفاقية جنيف، بسبب ظروف هذا الاعتقال، والعدد الكبير لحالات الكبيرة والمستمرة، إضافة إلى كونه جريمة حرب وفق نظام روما الأساسي الناظم لمحكمة الجنايات الدولية. ويبلغ عدد المعتقلين الإداريين 580 معتقلاً، من ضمنهم: 2- نساء، 17- من الداخل الفلسطيني المحتل، 21- من القدس، وحالات طلبة الجامعات التي بلغت 20 معتقلاً: 2- من جامعة النجاح، و6- من جامعة بيرزيت. 

ومن جانبه، تحدث علاء دنديس، الرئيس السابق لمجلس الطلبة في جامعة بولتيكنيك-الخليل وخريج برنامج الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة في جامعة بيرزيت، والأسير المحرر الذي خاض تجربة سابقة في الاعتقال الإداري والإضراب عن الطعام بين الأعوام 2010 و2012، تحدث عن تجربته في الاعتقال الإداري، ودوره في المواجهة داخل الأسر. فقد تم اعتقاله وتحويله إلى الاعتقال الإداري لمدة تقارب 30.5 شهراً، وتم تجديد اعتقاله الإداري فيها 6 مرات، حيث سوَّفت إدارة السجون الصهيونية في كل مرة حتى اللحظة الأخيرة في قرار الإفراج، وجددت له أمر الاعتقال الإداري. وقد كانت هذه التجربة تجربة جديدة عليه، ولكنه تمكن خلالها من الصمود في مواجهة الضغط النفسي والجسدي لكسر روح المقاومة لديه. وقد تمثل الرفض في ترك فكرة "الانضباط السلوكي" أملاً في الإفراج دون تجديد، ودخول معركة المواجهة بدلاً من الصمت، ذلك أن الأسير يقاوم من أجل وجوده، وكرامته، وصمود الحركة الأسيرة أمام إدارة السجون الصهيونية. وقد أشار دنديس إلى أنه استلهم تجربة الرفض من إرث الحركة الفلسطينية الأسيرة، ومن الثورات العربية التي اندلعت في العام 2011. وقد خاص دنديس إضراباً عن الطعام استمر 37 يوماً، لم ينهه إلا بعد ورود أخبار عن مؤتمر مشترك لحركتي فتح وحماس في القاهرة لإنهاء حالة الانقسام.

وأما الأسير المحرر مالك القاضي، والذي أدت تجربته في الاعتقال الإداري إلى خوض إضراب عن الطعام استمر 74 يوماً، فقد تحدَّث عن استهداف مخابرات الاحتلال وإدارة السجون الصهيونية له منذ اللحظة الأولى وحتى انتصاره في الإضراب وتحرره. فقد اعتقل القاضي، وصدر بحقه أمر اعتقال إداري في لمدة أربعة أشهر غير قابلة للتمديد في العام 2016، وتم تهديده بأن عودته للدراسة في جامعة القدس-أبو ديس ستؤدي إلى إعادة اعتقاله. تم الإفراج عن القاضي، وعاد لجامعته، ليعاد اعتقاله من جديد إثر ذلك، حيث تعرَّض لتحقيق عسكري وإخفاء استمر 22 يوماً، ودخل خلالها في غيبوبة عدة مرات جرَّاء التعذيب والتحقيق القاسي. وبعد عرضه على المحكمة، ومعرفته بأن جميع الأدوات التي تم استخدامها في هذه المحكمة تسعى لتصفية جسدية ومعنوية له، أُصدر بحقه أمر اعتقال جديد لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد. وإثر ذلك خاص القاضي إضراباً عن الطعام استمر 74 يوماً، ونقل في اليوم 54 إلى مسلخ الرملة–الموسوم بـ "عيادة في سجن الرملة"، وفي اليوم 59 تمت تغذيته قسرياً ما أدى إلى توقف قلبه لمدة دقيقتين ونصف. وفي اليوم 72 تم تهديده من قبل مدير سجن "عوفر" بأنه سوف يكمل مدة محكوميته بغض النظر عن إضرابه ما دفعه إلى الاضراب عن شرب الماء ليومين رفضاً لسياسة قتله العلنية، ورفضاً للخضوع لأمر الاعتقال الجائر، إلى أن تم تقديم عرض أخير له بالإفراج الفوري بتاريخ 24 أيلول، الأمر الذي شكل لحظة انتصاره على السجان ومؤسسته القمعية. 

هذا، وقد اختتمت الدكتورة لينة ميعاري الندوة بطرح سؤال حول الدور الجماعي للفلسطينيين في الخارج في دعم ومساندة الأسرى في أي حالة يخوضون فيها نضالاتهم، وأجمل المدعوُّون مداخلاتهم بالتركيز على أهمية التفاعل مع قضية الأسرى ومناصرتهم بمختلف الأشكال والأدوات الممكنة، سواء في الوقفات، والتضامن مع الأهل، والتطوع في الحملات، والتفاعل الإلكتروني، والنشر، وصفقات التبادل.... وذلك لما تحدثه أفعال المناصرة والتضامن من آثار كبيرة على صمود الأسرى وعائلاتهم في هذه المعركة الوطنية. 

للاطلاع على تسجيل الندوة-تصوير الإعلامية لمى غوشة

https://www.facebook.com/lama.ghosheh.1/videos/1445111129255162/