د. سونيا نمر: "البطلة الأنثى هي محور حكاياتي"

تحاول هذه السطور التعريف بالكاتبة والحكواتية وأستاذة الفلسفة د. سونيا نمر، فحياتها الشخصية والأكاديمية حافلة بالإنجازات لتثبت أن المرأة الفلسطينية قادرة على النجاح والتفوق وإضافة بصمة خاصة لها إلى جانب من قدموا أعمالهم المتميزة في عالم الإبداع.

بداية الحكاية:

ولدت الكاتبة سونيا نمر عام 1955، وعاشت طفولتها في جنين، وحصلت على شهادة الدكتوراة عام 1990 من جامعة اكستر في بريطانيا، وتعمل حالياً محاضرة في دائرة الدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت. بدأت بالكتابة للأطفال خلال فترة اعتقال الاحتلال الاسرائيلي لها، حتى احترفت الكتابة وترجمة الكتب، وأصدرت كتباً وقصصا خاصة بالأطفال واليافعين.

ترجع د. نمر الفضل في نجاحها بكتابة قصص اليافعين إلى والدتها، التي أوجدت فيها حب سماع قصص الأطفال وكتابتها عندما قرأت لها أول قصة أطفال بصغرها، قائلة: "كانت والدتي تصحبني من جنين إلى نابلس وبالتحديد (مكتبة عاشور) المكتبة الوحيدة في نابلس، من أجل شراء القصص. ومن بعد القصة الأولى وجدت بنفسي ذلك الشغف الذي دفعني لأغذي خيالي وعقلي بمزيد من القراءة في هذا الحقل الواسع".

وتضيف: "ما زلت أذكر أول مرة زرت بها مكتبة عاشور، كان ذلك قبل دخولي المدرسة، انبهرت حينها بالكتب الموجودة على الرغم من عدم وجود إلا كمية محدودة من قصص الأطفال، حينها اشترت والدتي لي كتابين".

وأضافت نمر في حديثها عن كتابة قصص الأطفال، أنه من المهم أن يتمتع الشخص بالخيال اللازم لمساعدته في حياته اليومية، وتعتبرها طريقة في مواجهة المشاكل التي تواجه الأشخاص، كما أن له دوراً كبيراً في إيجاد حلول إبداعية.

وتستشهد نمر بأهمية تكوين الخيال، بنجاحها في إيصال الأفكار المختلفة خلال المحاضرات التي تعقدها في جامعة بيزريت، وخاصة في مساق الحضارة الأوروبية، فهي تعتمد أسلوب سرد أحداث التاريخ بطريقة قصصية، لجذب انتباه الطلاب، وتركيز المعلومة في أذهانهم.

كما تحرص نمر على سرد قصصها بطريقة شعبية وبلهجة عامية أحياناً وذكر الأمثال الشعبية في الكثير من أحاديثها، وذلك للمحافظة على التراث الشعبي قدر استطاعتها، معربة عن حزنها أن هذه القصص ستصبح ذات يوم "قطعاً توضع في المتاحف دون اكتراث أحد إليها". 

الاعتقال وتغذية الخيال

مما لا شك فيه أن تجربة الاعتقال في السجون الاسرائيلية أثرت في تكوين شخصية الكاتبة والمحاضرة سونيا نمر، حيث كتبت أول قصتين لها خلال اعتقالها، إلا أنهما صودرتا منها في ذلك الوقت ولم تعد لكتابتهما.

ولا تعتبر نمر تجربة اعتقالها فريدة من نوعها، بل هي تجربة من جملة التجارب التي كونت سونيا على ما هي عليه الآن، مضيفة وجود العديد من العائلات التي لها تجربة مع الاعتقال، إلا أن ما ساعدها خلال اعتقالها، تواجدها في مكان مغلق ومحدود، من شأنه أن يخلق خيالاً لا يستطيع الاحتلال التضييق عليه كما التضييقات التعسفية الأخرى التي تمارس بحق الأسرى.

وقالت د. نمر: "عندما نتحدث عن تجربة الاعتقال، فإننا نركز على الجوانب الإيجابية ونستذكر المواقف المقاومة للاحتلال والسجان، ونرفض أن نتحدث عن المعاناة وتصوير أنفسنا بموقع الضحية، فنحن بالأصل مقاومون ومناضلون أينما كنا، داخل السجن وخارجه".

واستعرضت د. نمر إحدى القصص التي مرت بها أثناء اعتقالها في سجن الرملة للنساء (نفي ترسا)، حيث قطعت إدارة السجن شجرة ياسمين من باحة السجن، وكانت تلك الشجرة عزيزة جدًّا على قلوب الأسيرات الفلسطينيات، إذ رأين فيها دومًا أملاً بالحرية، فقد كانت الشيء الوحيد في السجن الذي تسلق الجدران، وأطلت بأوراقها وأغصانها على الجانب الآخر، على الفضاء خارج السجن، على الحرية. وقد كانت لحظة قطع الشجرة وسحبها من الساحة لإلقائها خارجًا لحظة مؤثرة وحزينة للأسيرات، وقد تركت الشجرة آثارها على الأرض من زهرات الياسمين التي سقطت منها، فأصبحت كنجمات صغيرة تترك أثرًا خلف الشجرة، إلا المناضلة رسمية عودة كانت تقف جانبًا وترسم بسمة على وجهها، ما أثار بقية الأسيرات وتساؤلهن عن سبب ابتسامتها في موقف حزين ومؤلم وهن يرين ياسمينتهن العزيزة تقطع وتجر للخارج، وعندما سألنها عن سبب الابتسامة، مدت يدها إلى صدرها وأخرجت غصنًا أخضر من ذات الشجرة وقالت: سنزرعه من جديد. هم يقطعون ونحن نزرع.

البطلة الأنثى

 بعد خروجها من السجن توجهت سونيا الى بريطانيا لتكمل دراستها وتحصيل شهادة الدكتوراة بتخصص التاريخ الشفوي، ومن ثم عملت بقسم التثقيف في المتحف البريطاني لمدة ثماني سنوات، إلا أنها لم تشعر طوال فترة مكوثها في إنجلترا بالراحة، مشيرة إلى أن أكثر ما كان يزعجها هو الفكرة النمطية السائدة عن المرأة العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص، ما دفعها الى تجسيد صورة الفتاة المتميزة في الكثير من قصصها، والقادرة على الوصول الى ما تصبو إليه.

فتشارك سونيا نمر، بل تتفرد، في رواياتها بالبطلة الأنثى وتسير بها إلى مكان غير مألوف أبداً. ففي كلٍّ من "رحلات عجيبة في البلاد الغريبة" وسلسلة "طائر الرعد" تكون  النساء والفتيات في المركز السردي. لعل من أصعب أنماط الكتابة هي تلك التي تحتاج إلى مخيلة تتسع لجميع العوالم وتخلق عالماً قائماً بذاته، كالفانتازيا أو الكتب الغرائبية، وهنا تنجح نمر في استخدام الحرية التي يعطيها التجريب في النوع الأدبي  برسم فتيات عاديات بقوى خارقة في ظروف خارجة، ليس فقط عن النمط السائد، بل أيضاً عن العالم الواقعي، لتنتقل بالبطولة إلى الخيال. ففي "رحلات عجيبة"، وكالسندباد، تتجاوز قمر بطلة الرواية عدداً من التحديات الهائلة، جسدياً ونفسياً، عبر أسفارها في بلاد غريبة، كالعبودية والاختطاف والتشرد، في سعيها للرجوع إلى وطنها، وتسير قمر بخبرة قائمة بذاتها على قدرتها من الفعل البطولي. (من مقال ومضات من ادب اليافعين الفلسطيني: البطولة الأنثى لأليس يوسف)

جوائز عالمية عدة

لسونيا نمر، العديد من الدراسات في التاريخ الشفوي وما يزيد على 16 كتابا للطفل و4 روايات لليافعين تسرد فيها حكايات الأمل والانتصار والقوة والثقة، مشيرة إلى أن بعض أعمالها ترجمت إلى أكثر من 13 لغة من بينها "قطعة صغيرة من الأرض" و"الغول غدار".

وفازت بعدد من الجوائز العالمية والعربية مثل جائزة الاتصالات لأدب الأطفال العربي 2014 عن كتابها رحلات عجيبة في بلاد غريبة، وجائزة الشارقة لكتاب الطفل 2018 عن رواية "طائر الرعد".

وترشحت نمر لجائزة آستريد ليندغرين وهي جائزة عريقة لأدب الأطفال، تأسست من قبل الحكومة السويدية عام 2002، بعد وفاة الأديبة آستريد ليندغرين، وتقدم لأفضل عمل عالمي في أدب الأطفال والشباب، سواء كان أدباً مكتوباً أو محكيّاً، ولا تعتبر الجائزة كتقييم فردي للمبدع فحسب، بل يكون لها بعد شامل، من خلال التأكيد على حقوق الاطفال في المجتمع.

وحظيت روايتها «قطعة صغيرة من الأرض»، التي شاركتها في تأليفها إليزابيث ليرد، بتقدير كبير. ولنمر مجموعة من الحكايات الأسطورية الفلسطينية، التي تتصف بروح الدعابة، مثل «الغول غدار»، وغيرها. ولها إصدارات عديدة لدى مؤسسة تامر منها «ملك الحكايات وزلوطة» و«مختار أبو أذنين كبار» للأطفال و«قطعة صغيرة من الأرض» لليافعين.