بدء أعمال مؤتمر مواطن السنوي الـ29 "التفكير الاستراتيجي في زمن الوحوش العملاقة وحروبها: مكانة الحق وآفاق التحرر"
انطلقت فعاليات مؤتمر معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان - جامعة بيرزيت صباح يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من تشرين الأول 2024، في دورته التاسعة والعشرين، بعنوان: "التفكير الاستراتيجي في زمن الوحوش العملاقة وحروبها: مكانة الحق وآفاق التحرر"، بترتيب هجين في حرم جامعة بيرزيت وعبر الفضاء الافتراضي، وذلك بمشاركة العديد من الباحثين والأكاديميين من أنحاء العالم.
افتتح المؤتمر رئيس جامعة بيرزيت الدكتور طلال شهوان ورحّب بالحضور من فلسطين وخارجها، مؤكداً على أن هواجس الحاضرين تسكن مع الأهل في قطاع غزة ولبنان والضفة الغربية، وأن إحباطات الموت والدمار لن تثني الجامعة عن توظيف طاقتها لتحقيق أحلام الشعب الفلسطيني، وذلك عبر دورها الذي تضطلع به في إنتاج المعرفة لدعم مشاريع المجتمع التحررية والتحرر من الاستعمار. وأشاد رئيس الجامعة بالجهود التي أنجحت المؤتمر، وبأهمية التواصل مع الزملاء من أنحاء العالم، لما يجسده هذا التواصل من تضامن أممي وأكاديمي لمواجهة العراقيل التي يصنعها الظرف الاستعماري.
ثم ألقى مدير معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان الدكتور مضر قسيس كلمته الترحيبية والافتتاحية للمؤتمر مشيراً إلى أن مؤتمر مواطن يأتي في دورته التاسعة والعشرين ضمن جولة تصعيد لهمجية الاستعمار، ومؤكّداً على ضرورة مواجهته بكل السبل، بما في ذلك رفض تطبيع الواقع ورفض الاستكانة لهمجية الاستعمار وأعوانه. فالتفكير بأدوات وسبل المقاومة يأتي في سياق انحطاط الحقبة النيوليبرالية المنبثقة عن النظام الرأسمالي، وما يشهده هذا الانحطاط من صراع بين القوى التي تريد اقتسام الهيمنة والقوى التي تريد اجتثاثها. واستعرض قسيس محاور المؤتمر وأكد على ضرورة صبغ المشروع التحرري الفلسطيني بصبغة عالمية وإنسانية.
في الجلسة الأولى بعنوان "السياق الأوسع للمعركة التحررية"، التي ترأستها الدكتورة رنا بركات، عضو الهيئة الأكاديمية في دائرة التاريخ والآثار في جامعة بيرزيت ومديرة متحف الجامعة، كانت الورقة الأولى "أصدقاء فلسطين وأعداؤها في النظام الدولي المرتقب" للدكتور باسم الزبيدي، عضو الهيئة الأكاديمية في دائرة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت. طرق الزبيدي في مداخلته الملامح الأوّلية للنظام الدولي قيد الولادة، من حيث مدى قدرته على التأثير في الوضع الفلسطيني أولاً، وكيفية توظيفه لصياغة منظور جديد يتحدد عبره الحلفاء والخصوم ثانياً. فقد كشفت حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة عن الأطراف المناوئة لوحشية المستعمِر مقابل الأطراف المؤيدة لانعتاق المستعمَرين. وأوضحت المداخلة أن الصداقة في السياسة لا ترتكز على قاعدة وجدانية بل نفعية، وخلصت إلى ضرورة تعبئة الموارد المتاحة والتواصل مع الحلفاء لتثبيت موقع فاعلي التحرر في النظام الدولي المرتقب.
وفي الورقة الثانية "فلسطين والنظام العالمي" ناقش الدكتور عبد الرحمن إبراهيم، عضو الهيئة الأكاديمية في دائرة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، الارتباط الوثيق للقضية الفلسطينية مع التحولات المرافقة لتغيّر النظام الدولي المعاصر، منطلقاً من انتهاء عصر الإمبراطورية وحتى اللحظة، وذلك لوضع مقاربة تجيب عن السؤال: هل ستنجح إسرائيل في حسم المعركة لصالحها وإنهاء القضية للأبد أم سيكون لتشكّلات النظام الدولي دور في إفشال مخططها؟ وبيّنت المداخلة أن الدور الأكبر للفلسطينيين، في ظل استمرارية بطش الآلة الاستعمارية، يتمثل في صمود وبقاء الشعب الفلسطيني.
أما في الورقة الثالثة "فلسطين: الأخلاق الكونية وفرضية المعايير المزدوجة"، فناقش الدكتور رائف زريق، وهو باحث وأستاذ مختص في فقه القانون، التناقض الكامن في ترويج الغرب لقيم حقوق الإنسان من جهة، ودعمه المطلق لإسرائيل التي تدوس وتنتهك حقوق الفلسطينيين من جهة أخرى، مستعرضاً الاستمرارية التاريخية لنهج التناقض. وحاول سبر كنه وسياق ما نطلق عليه "المعايير المزدوجة". وأشار زريق إلى إشكاليات فرضية المعايير المزدوجة أو التناقض، مشدداً على أن "الكوني" هو نتاج صراعات عينية استطاعت تعميم نفسها والظهور على أنها "كونية"، وبالتالي تعدد المواقف الكونية بمقدار تعدد النضالات والصراعات.
وفي الجلسة الثانية بعنوان "ما كشف عنه زمن الوحوش"، والتي ترأستها الدكتورة إصلاح جاد، عضو الهيئة الأكاديمية في معهد دراسات المرأة، كانت الورقة الأولى "معالم الفاشية في إسرائيل: التوجهات العالمية والأزمة البنيوية المحلية" للدكتور عصام مخول، مدير معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية (حيفا). جادل مخول بأن فهم انتقال إسرائيل إلى طور أعلى من التوحش الفاشي لا يكون بالإحالة إلى الانقلاب القضائي، وإنما بالإحالة إلى نضوج شروط الانتقال للفاشية، وارتباط هذا النضوج بالأزمة البنيوية العميقة لدولة الاحتلال. فلم ينشأ التيار الفاشي الذي نشهده في حرب الإبادة المستمرة نتيجة وصول قوى الحكومة الحالية في إسرائيل، بل إن مكمن فهم الفاشية الآنية يكون بفهم كيفية قيام المشروع الصهيوني.
وكانت الورقة الثانية "الإبادة الجماعية في غزة: كيف يفهمها الإقليم ويتعاطى معها" للدكتور إبراهيم فريحات، وهو أستاذ مشارك مختص في النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، حيث ركّز على غياب موقف إقليمي عربي موحد تجاه حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة، وعلى ضرورة التمييز بين الموقفين الرسمي والشعبي، حيث ينشغل الأول بالبحث عن موقع ضمن علاقات القوة القائمة، ويعجز الثاني عن الفعل نظراً لما فعلت به قوى الثورة المضادة وتراجع الأيديولوجيات.
وفي الجلسة الثالثة والختامية لليوم الأول وعنوانها "صرير القانون الدولي"، وقد عقدت عبر الفضاء الافتراضي، وترأستها الدكتورة ريم بهدي، عميدة كلية القانون في جامعة وندسور في كندا، قدم الورقة الأولى "الغذاء والإبادة الجماعية: التفاعل بين الأيديولوجية الصهيونية والحرب الإسرائيلية المطولة" كل من مها عبد الله، وهي طالبة دكتوراه في كلية الحقوق في جامعة أنتويرب في بلجيكا، وتوماسو فيراندو، عضو الهيئة الأكاديمية في كلية الحقوق ومعهد سياسات التنمية في جامعة أنتويرب. تركزت مداخلتهما على التشابك بين أساليب الحرب التي انتهجتها إسرائيل في حرب الإبادة المستمرة والأيديولوجية الصهيونية للمشروع الاستعماري الهادف إلى القضاء على السكان الأصليين، حيث يشكّل استخدام سلاح الغذاء سمة دائمة للمشروع الصهيوني، عوضاً عن كونه فعلاً استثنائياً.
وكانت الورقة الثانية "استخدام المحاكم الدولية الدائمة وهيئات المعاهدات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان للمطالبة بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني" لغنتيان زييبري، وهو أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان في المركز النرويجي لحقوق الإنسان في جامعة أوسلو. وناقش زييبري في مداخلته كيفية توظيف السلطة الفلسطينية للقانون الدولي في سعيها إلى تحقيق تقرير مصير الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ومشاركتها في عدد من معاهدات حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي، والانخراط مع المحكمتين الدوليتين الدائمتين.
أما الورقة الثالثة والأخيرة لليوم الأول "القانون الدولي واستراتيجيات سحب الاستثمارات: استخدام الأطر القانونية في مواجهة الاحتلال ومحو الهوية الفلسطينية" فقدمتها نادين طاهر، وهي زميلة في شبكة القانون والعدالة عبر الوطنية في جامعة وندسور، بالتعاون مع وفاسانثي فنكاتيش، وهي عضو الهيئة الأكاديمية في القانون والاقتصاد المحلي في جامعة وندسور. وتناولت المداخلة إمكانية التفكير بكيفية مناهضة الهيمنة للتمكن من إعادة تصور القانون الدولي في سياق التحرير الفلسطيني، بالإضافة إلى دراسة ونقد ديناميكيات القوة واستراتيجيات المقاومة داخل البنى القانونية والسياسية القائمة.
يشار إلى أن أعمال مؤتمر مواطن السنوي ستستمر يوم غد الأربعاء الثلاثين من تشرين الأول 2024.