في يوم الأرض بجامعة بيرزيت: غرس الأشجار لا يحتاج إلى تصريح 

تذكّر الراحل جابي برامكي، رئيس جامعة بيرزيت بالوكالة (1974-1993)، يوم الأرض، في مقال كتبه في كتاب جامعة بيرزيت: قصة مؤسسة وطنية، قائلاً: "في إحدى السنوات، قررنا إحياء الذكرى بغرس الأشجار في الحرم الجديد. وسألني الحاكم الإسرائيلي ما إذا كنا قد حصلنا على تصريح لغرس الأشجار، فقلت له إن لدينا تصريحاً، رغم أنه في حقيقة الأمر لم يخطر في بالي قط أن غرس الأشجار يحتاج إلى تصريح (...). كان الطلاب مصممين على تنفيذ النشاط، إلى درجة أنهم تخطوا الحواجز واستخدموا الطرق الخلفية عندما اكتشفوا أن الجيش الإسرائيلي أغلق الطرق الرئيسية المؤدية إلى الجامعة".

منذ 30 آذار 1976 وحتى اليوم، بقي يوم الأرض راسخاً في عقول الفلسطينيين أينما تواجدوا. وتعود قصة يوم الأرض، إلى عام 1976 عندما صادر الاحتلال الإسرائيلي نحو 21 ألف دونم لتنفيذ مشروع تهويد منطقة الجليل، ما دفع أهل الداخل الفلسطيني المحتل للاحتجاج المشروع، وأُعلن على إثرها إضراب شامل، وهبت انتفاضة شعبية شاملة وغاضبة، قام الاحتلال الإسرائيلي بالرد عليها بدموية وأدت إلى استشهاد 6 فلسطينيين وجرح المئات. 

حافظت جامعة بيرزيت على دورها الوطني والأكاديمي، إما خلال مشاركاتها في المناسبات الوطنية كيوم الأرض، أو إنجازاتها الأكاديمية التي تعيشها الجامعة تحت انتهاكات الاحتلال للحق في التعليم. يقول منير فاشه في كتاب "جامعة بيرزيت: قصة مؤسسة وطنية"، وهو مدرس سابق للرياضيات والفيزياء بين عام (1962- 1989) وعميد لشؤون الطلبة بين عام 1971 و1978: "كُنّا وحدنا، نعيش في ظل واقع قاسٍ. ولم نكن نملك شيئاً سوى أنفسنا، وأصدقائنا وثقافتنا ومجتمعنا. كان المدرسون يعلّمون بدافع قيمهم وقناعاتهم وليس بدافع المكسب الشخصي أو الفائدة المهنية. وبهذا المعنى، ينبع الأمل مما يملكه الناس والمجتمع والثقافة والطبيعة. وهكذا اكتشفنا القوة الكامنة في داخلنا".

إن هذه القوة التي تحدث عنها فاشه استمدها الطلبة وأكاديميو الجامعة وإداريوها من التحديات التي واجهتها جامعة بيرزيت ولا تزال، والتي هي في معظمها نتيجة مباشرة للإجراءات القمعية للاحتلال الإسرائيلي، الذي يحاول فرض هيمنته على مؤسسات التعليم العالي. وهذا ما يدعو إلى التفكير بالفترة الزمنية التي نشأت فيها مؤسسة بيرزيت، وتطورت فيها من مدرسة (1924) فكلية (1942) ومن ثم جامعة (1972)، والحقب السياسية التي عاصرتها: حقبة الانتداب البريطاني والمشروع الصهيوني، ونكبة عام 1948 وما نتج عنها من خسارة لجزء كبير من أرض فلسطين التاريخية، وحرب حزيران عام 1967 التي شهدت المؤسسة فيها احتلال إسرائيل لباقي أراضي فلسطين ووضعها تحت الحكم العسكري، ومن ثم الاحتلال الإسرائيلي، والانتفاضة الأولى (1987)، وإقامة السلطة الفلسطينية (1993)، ثم الانتفاضة الثانية (2000) واستمرار انتهاكات الاحتلال المباشرة وغير المباشرة حتى يومنا هذا، لا سيما تجاه قطاع التعليم العالي في فلسطين.

وأدى الرد الإسرائيلي الوحشي على التظاهرات الطلابية السلمية، وسلب حياة أكثر من 25 طالباً شاباً، واعتقال مئات الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية والمئات الذين جرحوا، وإغلاق الجامعة 14 مرة، وغيرها من الاعتداءات؛ أدى إلى تراكم وعي سياسي ووطني لدى مؤسسي الجامعة وطلبتها، فازداد تمسكهم بالأرض وضرورة حفظ الثقافة والهوية الفلسطينية، التي لم تزد جامعة بيرزيت إلا غنى وتميزاً. 

كان إلزامياً على جامعة بيرزيت ابتكار وسائل وطرق للتغلب على كافة العقبات التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي، فإلى جانب التعامل مع إغلاقات الحرم الجامعي المتكررة، أطلقت الجامعة حملة الحق في التعليم التي انبثقت عن لجنة الأسرى ومشروع العمل من أجل حقوق الإنسان في السبعينيات والثمانينيات من أجل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في الجامعات الفلسطينية، وتوفير المساعدة القانونية لموظفي وطلبة الجامعة المتعقلين، وإطلاع الرأي العام العالمي على هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية، كحق الطلبة في التعليم، وحق وصولهم إلى أماكن الدراسة دون أي معوقات، إلى جانب تسليط الضوء على العقبات التي يواجهها التعليم العالي في فلسطين في قضايا محددة مثل منع الموظفين والأساتذة الأجانب من حملة الجوازات الأجنبية من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية

 

بالرغم من صعوبة الطريق وتعدد العقبات، تواصل الجامعة إحياءها ليوم الأرض جنباً إلى جنب مع تعزيز مكانتها الأكاديمية مع بقاء الإنسان الفلسطيني وتمسكه بأرضه.