الشاعر الشهيد كمال ناصر.. "ضمير الثورة الفلسطينية"

تهل علينا اليوم الذكرى الخامسة والأربعون ليوم الأرض الخالد، هذه الذكرى التي يحييها الفلسطينيون في جميع أماكن تواجدهم كل عام، تأكيدًا على تمسكهم بأرضهم، ودفاعهم عنها، وتكريماً لأرواح الشهداء الذين سقطوا ورووا بدمائهم أرض فلسطين، في الثلاثين من آذار عام 1976، ولأرواح كل شهداء فلسطين الذين قدموا أرواحهم فداءً لها على مر السنوات. وفي هذا اليوم، نستذكر الشاعر كمال ناصر، الذي نظم قصائد كثيرة في حب الأرض، وسار ثائراً في طريق التحرير.

"نحن هنا رغم الأذى والجحود.. مواكب تمضي وأخرى تعود.. نحن هنا نفجر الإيمان في دربنا نورا فينمو في ثرانا الوجود".

كمال بطرس إبراهيم يعقوب ناصر، مناضل وشاعر، ولد في مدينة غزة عام 1924، وتربى في بيرزيت شمال رام الله، والتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ليحصل منها على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1945 ويعمل في التدريس لفترة من الزمن. أصدر كمال ناصر جريدة "البعث" اليومية عام في رام الله إثر النكبة، ثم أسس مجلة "الجيل الجديد".

خاض كمال ناصر الانتخابات النيابية الأردنية عام 1956 عن حزب البعث العربي الاشتراكي، وأصبح نائباً في البرلمان أثناء عن قضاء رام الله.  أبعدته سلطات الاحتلال عن فلسطين بعد حرب حزيران 1967، بسبب مواقفه الوطنية والنضالية. وانتخب في عام 1969 عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وتولى رئاسة دائرة الإعلام والتوجيه القومي ومجلة فلسطين الثورة، وكان المتحدث الرسمي باسم المنظمة، ورئيس لجنة الإعلام العربي الدائمة، المنبثقة عن جامعة الدول العربية.

ترك كمال مجموعة كبيرة من الكتابات والأعمال الشعرية. وأهم آثاره النثرية افتتاحيات "فلسطين الثورة"، المجلة الرسمية الناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وكان يتولى رئاسة تحريرها منذ إصدارها في حزيران 1972 حتى تاريخ استشهاده في نيسان 1973. وتدل ومذكراته التي كتبها بعد سقوط الضفة الغربية بيد الاحتلال الصهيوني على صدق عميق امتازت به شخصيته، وعلى روح شاعرة نبيلة.

 أبرز آثار كمال ناصر الشعرية مجموعة قصائد نشرت سنة 1959 تحت عنوان "جراح تغني"، وملحمة بعنوان "أنشودة الحق" غنى فيها للوحدة العربية، ومجموعة شعرية بعنوان "أناشيد البعث"، وديوان "أغنيات من باريس". كما كتب ثلاث مسرحيات هي "التين" و"مصرع المتنبي" و"الصح والخطأ". وقد تألفت بعد استشهاده لجنة لتخليد تراثه نشرت أعماله النثرية والشعرية الكاملة سنة 1974.

وقد كان للنكبة وللنكسة أثر عميق في شخصية كمال ناصر، لدرجة يمكن القول إن روحه صيغت في غلاف التاريخ الفلسطيني المعاصر ومن أنسجة هذا التاريخ نفسه. ويعبر عن ذلك قوله في  مذكراته بتاريخ 19/9/1967:

"عندما كنت أنام بعد هزيمة 1948، كنت أستيقظ من نومي مذعوراً في السنوات الأولى للنكبة من جراء كوابيس وأحلام كانت تعذبني باستمرار، وتذكرني بالمعارك المزيفة والاستسلام، والمسرحية التي مثلت على أرض فلسطين. كما كانت هذه الكوابيس تطاردني فتصور لي الذبح والقتل الجماعي والتشريد الذي حدث لبني قومي وهم يطردون من بلادهم فلسطين".

أطلق عليه صلاح خلف "أبو إياد" لقب "ضمير الثورة الفلسطينية"، لما كان يتمتع به من مصداقية وسمات أخلاقية عالية.

في العاشر من نيسان عام 1973، هزت العاصمة اللبنانية أكثر عمليات الاغتيال تعقيداً في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي حتى حينه، ونفذ جهاز المخابرات الإسرائيلي ليلتها ما أطلق عليها لاحقاً "عملية فردان" ببيروت، راح ضحيتها ثلاثة قادة فلسطينيين هم:  كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار. 

دفن كمال ناصر إلى جانب غسان كنفاني وفقاً لوصيته، وسميت باسمه أكبر قاعة من قاعات جامعة بيرزيت، تخليداً لذكراه ودوره النضالي والأدبي، في خدمة القضية الوطنية الفلسطينية.

 

مقتطفات من شعر كمال ناصر

لن نستريح، 

والشعب دام جريح،

والقيد في المعصم، 

والحقد ملء الدم، 

ودربنا شاحب الأنجم، يضع بالآثم المجرم،

 لن نستريح، ونحن في مأتم،

 في حالك مظلم،

 لن نستريح لن نستريح

إنها قصة شعب ضللوه

ورموه في متاهات السنين

فتحدى وصمد

وتعرى واتحد

ومضى يشعل ما بين الخيام

ثورة العودة في دنيا الظلام

رأى الظّلمَ يُدمي رُباه

فثارَ إلى مبتغاه

وكانَ شهيداً، وكلُّ شهيدٍ إله

تسامى، فلوّن معنى الصّلاة

وعمّق من وحيِها وابتكرْ

فسالتْ نضالاً دِماه