"جامعة بيرزيت، اذهبي أنتِ وربّكِ فقاتلا،إنا ههنا قاعدون" بقلم: جمان قنيص

ترك الجميعُ جامعةَ بيرزيت وحدَها تواجه الأزمة المالية، تَخلّوا عنها، وقالوا لها: اذهبي أنتِ وربكِ فقاتلا ... إنا ههنا قاعدون، وهو يشبه ردّ قوم موسى لنبيّهم يوم تركوه وحده يدخل المدينة. 
مجلس الطلبة أول مَن قال ذلك، وضع نفسه في جبهة أمام الجامعة، وصوّر إدارتها أنها الخصم الظالم الذي "سينتزع" منه الحقوق انتزاعا. وكان خطابه ذا لُغة عدائية تمثلت في شعاراتٍ من قبيل "حِلّوا الأزمة بعيدا عن جيوب الطلبة"، وكلمات قاسية مثل "مجحفة" و"ظالمة".

انجرّ بعض الطلبة إلى ما هو أبعد من ذلك، كالإساءة للجامعة وأُسرتها التي هم منها أصلا.
ارتكب مجلس الطلبة خطأ فادحا عندما أغلق الجامعة بالجنازير، وحال دون ممارسة كل أشكال العمل فيها، وهو إجراء يُصنف، حسب قانون جامعة بيرزيت، من المخالفات الجسيمة التي يمكن اتخاذ أقصى العقوبات بحقّ مُرتكبيها، علما أن مجلس الطلبة كان قد وَقّع على تعهدات في وقت سابق بعدم إغلاق الجامعة بتاتا. فكيف للمجلس أن يخرق القانون وهو الذي يدافع عن الحقوق؟ وأن ينقض اتفاقات قطعها على نفسه؟ وكيف له أن يمس بما كان مُقدسا في الماضي، ألا وهو انتظام العملية التعليمية؟

كانت بيرزيت تُفاخر بأنها حافظت على سير العملية الأكاديمية رغم أنف الاحتلال البغيض عندما أغلقها في ثمانينيات القرن الماضي، وقد استُشهد عدد من طلابها، وأُبعِد رئيسها الأسبق دفاعا عن هذا الحق. فهل يُعقل أن تُغلق الآن بأيدي أبنائها؟

هل يمكن للأبناء أن يغلقوا باب البيت في وجه والدَيْهم مثلا إن اتخذا قرارا يجدونه مُجحفا أو قاسيا؟ هذا الفعل، لا يمكن أن يُبرر أبدا بـ "شرعية الدوافع".

أُخِذَ المُعتصِمون بنشوة ما صوّره البعض لهم أنه "بطولة" و"شجاعة". سيكون هذا الموقف بطوليا وشجاعا حقا لو كانت الزيادة التي قررتها "إدارة الجامعة" على الأقساط من أجل تَرَف أعضائها أو للتغطية على فساد ما.

في تلك الحالة فقط نقول: عارٌ على مَنْ لا يقف في وجه الإدارة.
رغم مخالفة القانون، ترفض الإدارة حتى اللحظة اتخاذ إجراءات بحقّ مَن يغلقون بواباتها.
يؤخَذ على مجلس الطلبة أنه أغْفَل أن الطلبة أنفسهم، والمقصود أولئك الذين لم يُسددوا ديونهم للجامعة، هم جزء من الأزمة. فقد تَخَرّج من بيرزيت طلابٌ أكملوا تعليمهم وغادروا الجامعة ويرفضون الآن تسديد الديون. ومِن الطلبة الحاليين مَن يكرر ذات الخطأ باستغلال نظام التقسيط الذي لا تتبعه أي جامعة في الوطن.

الفصائل هي ثاني مَن ترك بيرزيت وحدها في مواجهة الأزمة، وهي التي لا تتواني عن دفع المبالغ الطائلة في الحملات الدعائية الانتخابية فداءً للاستعراض الحزبي والمماحكات السياسية.

مئات الآلاف من الدولارات تصرفها الكتل المتنافسة على البوسترات والأعلام ومستلزمات الدعاية تُلقى كلها في سلال المهملات في اليوم التالي للانتخابات. لماذا لا تُبادر الفصائل إلى استثمار جزء من تلك الأموال في الجامعة؟ أو بمعنى أصح، في كوادرها المستقبلية من أبناء الجامعة؟

التربية والتعليم العالي، هي ثالث مَن ترك بيرزيت وحدها. بعد بدء الأزمة بأيام، أعلنت الوزارة أنها دفعت مستحقات جامعة بيرزيت، وأنها غير مقصرة تجاهها، وانتهى الأمر بالنسبة لها هنا. ولم تُبدِ أي قلق إزاء توقف أفضل جامعات الوطن، حسب تصنيف QS، عن التدريس.

ألا تستحق هذه المؤسسة التعليمية والوطنية من الوزارة أكثر من هذا التصريح؟ ألا يشفع لها أنها تُبلي بلاء حسنا على مستوى الوطن والعالم العربي؟ وأنها حَقّقت عددا من الإنجازات في مجال التعليم؟ ألا يشفع كل ذلك أن تلقى أزمتها اهتماما جدّيا؟

الصفوف الأولى من القيادة الفلسطينية، هي رابع من يترك بيرزيت وحدها. ربما لم يصلها صوت أنين جامعة بيرزيت أصلا. فلم يُسمع منها أي تعليق على هذه الأزمة التي لا يبعد مسرحها عنها أكثر من 5 كيلومترات.

هل يوجد حلول؟
أول ما يجب أن يحدث هو ألا يكون مجلس الطلبة جزءا من الأزمة، كما هو الحال الآن، بل يجب أن يكون جزءا من الحل. مجلس الطلبة مدعوّ لأن يكون في ذات الخندق مع إدارة الجامعة، أن يعيد فتح بوابات الجامعة التي دخل منها في الماضي محمود درويش وإدوارد سعيد، وزُف منها الشهيد ساجي درويش قبل عامين.

ثم يجب أن نُقسِم جميعا قَسَمَ شَرف ألا نسمحَ أن تُغلَق هذه البوابات يوما إلا في وجه الاحتلال، وأن نكون داخلها أسرة واحدة. هذا ما سقط شهداؤنا من أجله.

في ساحات جامعتنا، علينا أن نناقش الحل، وأن نخرج سويا متكاتفين، يدا بيد، طلبة وأساتذة، وموظفين، نعتصم معا، ونحتجُّ معا، ونضرب عن الطعام معا حتى نجد الحلول.

ومن أجل بيرزيت، علينا ألا ندفع الزيادة على أقساط الطلاب فقط، بل أن يشترك العاملون بدفع حصة من الديون أيضا. ألا تستحق هذه المؤسسة الوطنية أن نساهم جميعا في إنقاذها؟
أنا أبدأ بنفسي وأعلن تبرعي بنصف راتبي الشهر الحالي لصندوق الطالب. 

بعد ذلك، لا بد أن نذهب جميعنا إلى كل المُتَفرّجين على المشهد. أولا إلى الفصائل التي صقلت بيرزيت أفضلَ كوادرها، ثم إلى وزارة التربية والتعليم التي رفدت بيرزيت مؤسساتِها، ولا تزال، بأفضل الكفاءات، وإلى القيادةِ السياسية بأعلى مستوياتها.

نقول لهم جميعا: ألا ترون تلألؤ جامعة بيرزيت على تلك التلة النضرة وسط كل هذا الخراب؟  كيف يمكن أن تتركوها هكذا؟

كلكم أمكنكم فعل ذلك. لا عجب في هذا، فالأزمة المالية لجامعة بيرزيت هي أزمة وطن، أو بقايا الوطن.

 

مقال نشر على شبكة راية الإعلامية على الرابط التالي:

http://www.raya.ps/ar/articles/953484.html