«بيرزيت»: انتهى الإغلاق والأزمة مستمرة! بقلم: عبد الناصر النجار

مشكلة جامعة بيرزيت هي مشكلة المجتمع الفلسطيني... ولا ندري إن كانت نعمة أم نقمة أن تكون هذه الجامعة هي المقياس الحقيقي لما يدور في المجتمع الفلسطيني. 
بعد ما يقارب ثلاثة أسابيع من إغلاق الجامعة، تم إيجاد حل للمشكلة الآنية، فيما ظلت الأزمة قائمةً؛ لأن أزمة "بيرزيت" هي أزمة التنظيمات الفلسطينية، أزمة الحركة الطلابية، أزمة السلطة الفلسطينية... أزمات مركبة تنعكس سلباً على مجتمع الجامعة.
لننظر إلى الأزمة الأولى، أزمة التنظيمات والقوى الوطنية والإسلامية، من الواضح تماماً أن القرار الطلابي (النقابي) مرهون بشكل كبير بالقرار السياسي؛ لأن قيادة الحركة الطلابية ذراع تنفيذية للأحزاب والقوى والحركات، وعادةً ما يتم اختيار ممثلي الحركات الطلابية بموافقات سياسية عليا، أي أن القيادات هي التي لها الكلمة الفصل في تنسيب ممثلي الحركة الطلابية، وبالتالي هؤلاء الممثلون هم في غالب الأحيان تحت أوامر القيادات العليا، ولهذا كان لا بد من الوسطاء الذين بذلوا جهوداً مشكورة من بينها اضطرارهم للتوجه إلى القيادات السياسية سواء الوطنية أو الإسلامية لحلحلة الوضع.
الأزمة الأخرى هي أن إغلاق الجامعة جاء في خضم تطورات الانتخابات المحلية. وبالتالي فإن كل فصيل أو حزب يريد أن يثبت للمجتمع المحلي أنه القادر على إحداث التغيير والحفاظ على الحقوق والمكتسبات، ولهذا فإن التصلب كان في أوجه منذ البداية. 
ومما لا شك فيه أن ما حصل جزء من دعاية انتخابية سواء على المستوى المحلي أو الجامعي... بحيث جاء رد "الشبيبة" على الاتفاق عنيفاً، محملةً الكتلة الإسلامية مسؤولية خذلان الطلبة وعدم تحقيق مطالبهم.. فيما يبدو أن المناكفات ستتواصل في أزمة أخرى تمثل أزمة المجتمع الفلسطيني الذي لم يبادر بشكل مؤثر إلى إيجاد حل حقيقي للأزمة. 
حتى إعلامياً، بدأ هذا الإغلاق وانتهى بأقل تغطية إعلامية واهتمام مجتمعي أيضاً.
 المجتمع الفلسطيني بدا وكأنه لم يعد قادراً على الإحساس بالمخاطر.. لم يتحرك في كثير من الأزمات إلا متأخراً، وفي كثير من الأحيان بشكل خجول، كأزمة الأسرى المضربين عن الطعام مثلاً أو أزمة الفلتان هنا وهناك، وهذا انسحب على أزمة "بيرزيت" بحيث لم نر حراكاً ذا قيمة مجتمعية، يسير باتجاه إيجاد انفراجة في مسألة الحوار الثنائي بين إدارة الجامعة والحركة الطلابية. 
لكن المستغرب أيضاً هو موقف السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة أو مؤسسة الرئاسة التي ظلت، أيضاً، صامتةً، وكأن الأمر خارج نطاق اختصاصها. حتى سمعنا تصريحات تقول إن الأزمة داخلية في الجامعة، ولا علاقة للحكومة بها.. كيف ذلك؟ هل "بيرزيت" مؤسسة تعليمية فقط؟!! من يقول ذلك فهو مخطئ؛ لأن "بيرزيت" هي مجتمع كامل، مجتمع مناضل قدّم شهداء وجرحى وأسرى.. مجتمع خرّج كثيراً من قيادات الصف الأول والثاني وحتى الثالث في السلطة الوطنية، مجتمع حمل هموم الناس وحاول إيجاد حلول لقضاياهم الصحية والنفسية والثقافية والعلمية.
"بيرزيت" ليست مؤسسة تعليمية منغلقة على ذاتها، بل هي الصورة المعكوسة للمجتمع بشكل عام، وكان واجباً على الحكومة والسلطة بشكل عام أن تناقش وتبحث وتساهم في إيجاد الحلول للأزمة القائمة وليس فقط مشكلة الإغلاق التي تم إيجاد حل لها. 
ما لا يصدقه عقل أو ضمير حي أن يتشفى البعض بمجتمع الجامعة أو أن يستغل البعض هذه الأزمة لمصلحة مؤسسات أخرى؛ لأن هذه كارثة بحد ذاتها.
جامعة بيرزيت هي "باروميتر" المجتمع الفلسطيني بكل كياناته وأشكاله ومشاكله وهمومه، يجب الحفاظ عليها، يجب أن تُنمى روح الإبداع والديمقراطية وحرية التعبير والنضال فيها، لا أن تخنق بثقافة الجنازير والانقسام السياسي والقبلي!! 
متمنين أن يكون هناك تحرك سريع لإيجاد مخرج للأزمة المستمرة.

نشر هذا المقال في صحيفة الأيام:

http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=11723a9cy292698780Y11723a9c