خلفية تاريخية
على مرّ التاريخ، ارتبطت الحروب بتشكّل الدول والسعي لتحقيق المصالح الاقتصادية وتعزيز شبكات النفوذ. فمن جيوش المرتزقة في الإمبراطوريات القديمة إلى المجمعات العسكرية-الصناعية في الدول الحديثة، لم تكن الحروب مجرد صراعات أيديولوجية أو نزاعات على الأراضي، بل كانت أيضاً وسيلة لإعادة تشكيل الاقتصادات، وبناء التحالفات، وفرض الهيمنة. وتتجلى مظاهر العسكرة في التواجد المكثف للشرطة وقوات الأمن في المساحات العامة، والسياسات والممارسات السجنيّة، والمراقبة المستمرة للسكان، فضلا عن سوق الأسلحة العالمي الذي يشمل التجارة الرسمية والسوق السوداء وبرامج المساعدات العسكرية. كما تسهم هذه الحروب في تحويل المجتمعات إلى مختبرات لتطوير وتسويق أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا القتل والتدمير.
وقد أثارت العسكرة وتأثيرها على تراكم رأس المال والعلاقات الدولية نقاشات فلسفية وأكاديمية عميقة. على سبيل المثال، يرى ديفيد هارفي أن الدول تستخدم آلة الحرب لإعادة تشكيل الاقتصاد والنظام العالمي عبر العنف والإكراه، بينما يشير نعوم تشومسكي إلى العسكرة وصناعة السلاح في الحفاظ على الهيمنة العالمية تحت ذريعة الأمن. هذه الاقتباسات، رغم أنها ليست شاملة، تشكل جزء بسيط من الإنتاج الأكاديمي الواسع حول الاقتصاد السياسي للحروب والعسكرة، وعلاقات الهيمنة بين الشمال والجنوب. كما تسلط الأدبيات المختلفة الضوء على العلاقة بين الحروب والعولمة والنيوليبرالية، وهو سياق أكاديمي نضعه في خلفية أعمال المؤتمر وندعو المشاركين للتفاعل معه.
هذا التقاطع بين القوة، الاقتصاد، السياسة، والعلاقات الدولية، الذي يشكل الخلفية الاقتصادية السياسية للحروب، يعيد رسم ديناميات القوة على المستويات المحلية، الإقليمية والعالمية. ولا يقتصر هذا التقاطع على الحروب البارزة مثل حرب الإبادة على قطاع غزة أو الحرب الروسية-الأوكرانية، بل يمتد ليشمل ممارسات أكثر تعقيداً تتقاطع مع التجربة الفلسطينية وتنتشر في مساحات أخرى حول العالم. تشمل هذه الممارسات الاحتلالات العسكرية المستمرة، وعشرات الجدران العازلة التي تستخدم كأدوات للسيطرة على المجتمعات، وتأجيج النعرات الطائفية، العرقية والدينية بهدف تنشيط سوق الأسلحة، بالإضافة إلى السياسات السجنيّة والرقابية، والتكنولوجيات البيومترية والذكاء الاصطناعي التي توظف ليس لتنظيم المجتمع أو تطويره وإنما لضبطه وقمع الأصوات السياسية "غير المرغوب فيها". علاوة على ذلك، تشارك الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية في تبادل الخبرات والأساليب والسياسات العنيفة، مما يبرز حيز نشط في العلاقات الدولية يستدعي دراسة معمقة.
ومع ذلك، ما زالت المجتمعات المهمشة والمضطهدة، التي تواجه أشكالاً متعددة من العسكرة والعنف، تناضل باستمرار من أجل حقوقها وسبل عيشها. وقد لجأت هذه المجتمعات إلى وسائل متنوعة لمواجهة المنظومة العسكرية. تعمل عشرات الحركات الاجتماعية والمجموعات الراديكالية – بعضها يتبنى ممارسات سلمية، وأخرى تلجأ إلى العنف أو ما يُعرف بـ"التخريب البناء" (vandalism) – على مقاومة مظاهر العسكرة بطرق متعددة، مثل تنظيم الاحتجاجات في المساحات العامة، والضغط لطرد الشركات الأجنبية، وخلق فضاءات اقتصادية واجتماعية مناهضة للحروب والمنظومة النيوليبرالية. كما تنظم هذه الحركات حملات مقاطعة وسحب الاستثمارات من الشركات العسكرية وتلك المستفيدة من صناعة الحروب، إلى جانب تنظيم الإضرابات والاحتجاجات، ومقاومة الأنظمة السجنيّة، وبناء شبكات تضامن عالمية.
تترك العسكرة، إلى جانب أساليب العنف والتعذيب والقمع المرتبطة بها، آثاراً عميقة على حقوق الإنسان وحرية التعبير. ويتجلى ذلك بشكل واضح في الاعتداءات التي يتعرض لها المتضامنون مع الشعب الفلسطيني خلال احتجاجاتهم ضد الإبادة الجماعية، مما يعكس مدى انتشار هذه التأثيرات وتأثيرها على الصعيد العالمي.
تشكل هذه الخلفية الإطار النظري للمؤتمر، حيث ندعو المشاركين للبحث في هذه المواضيع وتداعياتها على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
الشركاء:
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية | المجلس العربي للعلوم الاجتماعية | الجامعة التربوية الوطنية في كولومبيا | مركز أورفاليا للدراسات العالمية والدولية في جامعة كاليفورنيا | شبكة الأمن في السياق |
المحاور الرئيسية
تستقبل لجنة المؤتمر الأوراق البحثية التي تتناول موضوع "العسكرة واقتصاد الحرب"، ويدعو المؤتمر الباحثين والناشطين الراغبين في المشاركة إلى تقديم أوراق تتناول مختلف الجوانب المرتبطة بالعسكرة، بما في ذلك المنظومة السجنيّة والمراقبة، الاقتصاد السياسي للحرب، استراتيجيات مقاومة العسكرة، وعسكرة الحيز الحضري. فيما يلي بعض النقاط التي قد تشكل موضوعات محتملة للخوض في الاقتصاد السياسي للحروب والعسكرة:
- المراقبة الشُرَطيّة للمساحات العامة
- العنف والمنظومة السجنيّة: تحويل العالم إلى سجن كبير
- الاقتصاد السياسي للحرب
- الأرض المحتلة كـ "مختبر": تبادل ونقل وتدوير التكتيكات والممارسات العنيفة
- عولمة الأمن
- التضامن العالمي ومقاومة العسكرة
- المجمع الصناعي العسكري
- التخطيط الحضري والعسكرة
التقديم للمؤتمر
يرجى من الراغبين في المشاركة إرسال ملخصات أوراقهم بحدود 250 كلمة، بالإضافة إلى نبذة تعريفية عبر البريد التالي: [email protected]، وذلك في موعد أقصاه 28 آذار/مارس 2025. سيتم طلب الأوراق الكاملة (بين 4000 إلى 6000 كلمة) من المشاركين الذين يتم قبول مساهماتهم، على أن يتم تسليمها في موعد أقصاه 30 أيار/مايو 2025.
يُقبل تقديم الأوراق باللغات الإنجليزية أو العربية أو الإسبانية. وينعقد المؤتمر بترتيب هجين في جامعة بيرزيت، كما سيُوفر المؤتمر ترجمة فورية لبعض الجلسات حسب الحاجة.
للتواصل:
معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية
بريد إلكتروني: [email protected] | [email protected]
هاتف رقم: +97022982982
البرنامج
غير متوفر حاليا، سيتم إضافته في أقرب وقت ممكن.