يوم الأرض

أثناء ركوبي الحافلة في طريقي إلى رام الله، خطفت مني لافتةٌ بائسةٌ نظرةً بسرعة الحافلة، تلك البائسة المحبوسة خلف سورٍ من الأسلاك الشائكة ترجو من ناظريها نظرة تمييزٍ لعنوانها: عاش يوم الارض، يا حبيسة الأسلاك الشائكة التي أدمت جسدَكِ ويتعمّق الجرح أكثر بمرور أي نسمة عابرة، أظن أن تلك الأسلاك التي وقعتِ حبيستَها أرحم عليك منّا ذلك أننا أدمينا قلبك بتخاذلنا، اعذرينا أيتها البائسة فلا تعيش الأرض بترديد عبارات عديمة الإحساس والمشاعر، سامحينا لأننا لم نرثْ من أسلافنا سوى فن الارتجال وصَفِّ الكلام. بائستي لا أريد أن أكون السلك الأشد إيلامًا لكِ ولذا دعيني أُعلِمكِ سيدتي البائسة؛ إن للناس مواقفَ مختلفةً تجاه الأرض، فهناك عاشقين لها يعشقونها بجبن في الخفاء إلا أن الحب لا يعيش في الخفاء ولا يرتضي القلوب الجبانة سكنًا، وهناك آخرين يعشقونها حد الجنون، يعلنون عشقهم، فيتغزلون بسمارها قهوةً لا تستفيق حواسُهم دون تذوقها، يُسلَبون بجمال عينيها الخضراوين فيتغزلون باللوز والزيتون والتين والزعتر، يشتاقونها وهم في أحضانها، ويموتون إنْ ابتعدوا عنها فلا حياة لهم بغير المعشوقة. وآخرين يعيشون بارّين بها محافظين عليها مدافعين عنها يحلمون باحتضانها حد التوحد، يُمنَحون الشهادة فتفرح هي بعودتهم إلى رحمها أجنّةً من جديد. أما البعض الآخر فيعقونها عقوقًا يُغضِبها فيحيوَن بعذابات ذلّهم شبهَ حياةٍ أو شبه مماتٍ ثم يذوقون عذاب جهنم بعد الممات، أو ليست الجنةُ تحت أقدام الأمهات؟ معظمنا يا سيدتي تشبث بالحياة حد الممات مرددًا ومشوهًا عبارة درويش على هذه الأرض ما يستحق الحياة نردد العبارة مدركين فقط لكلمة الحياة دون الأرض، فيا سيدتي؛ عاش يوم الأرض في رحمها، في قلوب أجنتها، وعاش يومُها في قلوب عشاقها المتمردين، عاش يومها في قلوبٍ مُدماةٍ موجَعَةٍ مثقَلةٍ بالأحزان، عاش ويعيش في أعماق الندبات والجروح، عاش يوم الأرض جرحًا أخضر لا يلتئم.

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.