قطاع غزة، بين القلق المصري والطمع الاسرائيلي

تركزت الجهود الامريكية المتعلقة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي مؤخرا حول قطاع غزة، ولم يكن ذلك فقط نتيجة لعدم حماس معظم الاطراف المعنية بالخطة الشاملة التي كانت تحاول الادارة الامريكية بلورتها وتسويقها مؤخرا والمسماة "صفقة القرن"، بل أيضا لان ما تخططه الولايات المتحدة لقطاع غزة، يخدم أهافاً اسرائيلية استراتيجية هامة وبعيدة المدى، أرسى أسسها اريك شارون، رئيس وزراء اسرائيل في حينه، والذي على اغلب الظن، سيتململ مبتسما في قبره إذا كان يتابع الاخبار الآن.

فقد انطوى انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في صيف 2005 على ابعاد استراتيجية هامة وبعيدة المدى، أولها التخلص من أعباء قطاع غزة الديموغرافية والامنية والاقتصادية. وثانيها تمكين اسرائيل من مضاعفة وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، ولم يكن ذلك سرا، فقد كان الوعد بمضاعفة الاستيطان في الضفة الغربية التي يسعون الى هضمها، هو وسيلة شارون في حينه لتسويق إخلاء المستوطنات من قطاع غزة التي يسعون إلى لفظها، وبالفعل، فقط تضاعفت وتيرة الاستيطان في الضفة منذ تلك الفترة، ولعل هذا الجزء من خطة الانسحاب هو الذي جعل المستوطنين واليمين المتطرف يتقبل الانسحاب الذي مر بسلاسة لفتت الانتباه.

أما البعد الثالث والاهم فهو ضرب الهدف الوطني الفلسطيني، المسلح بالشرعية الدولية والاجماع العالمي، المتمثل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في المناطق المحتلة، الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة.

ولذلك، فقد تضمن قرار الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة على حيثيات انتبه لها وكتب حولها قليلون في حينه، وتحديدا فك تدريجا لارتباط قطاع غزة بكل من اسرائيل والضفة الغربية، مع طموح اسرائيلي غير معلن بأن يؤدي الواقع الناتج عن ذلك الى نشوء ارتباط تدريجي بديل لقطاع غزة مع مصر، لكي تصبح غزة مسؤولية وعبأ مصريا.

وبالرغم من الانتقادات الكثيرة التي يمكن ان توجه الى القيادة المصرية في حينه، الا انها تنبهت الى هذه المصيدة وعملت على تلافيها. كان ذلك في السلوك التفاوضي المصري والفلسطيني فيما سمي بمفاوضات المعابر التي انتهت بتفاهمات المعابر في اواخر 2005، والتي رعتها وزيرة خارجية الولايات المتحدة في حينه كوندوليزا رايس، وقد استمر التنبه والحذر المصري والفلسطيني من هذا الهدف الاستراتيجي الاسرائيلي البعيد المدى لمدة طويلة.

تحت غطاء الحاجات الانسانية لقطاع غزة، والتي سببها الحقيقي هو الحصار الاسرائيلي، يسعى الوفد الامريكي لتشجيع حل المشاكل الانسانية والتنموية الغزية بالعلاقة والتعاون مع مصر، وبمعزل عن السلطة الفلسطينية، ويبدو معبر رفح مؤخرا زاخر بحركة البضائع، وليس المسافرين فقط، بين مصر وقطاع غزة، حيث تعبر مئات الشاحنان شهريا في الفترة الاخيرة، هذا علاوة على الافكار المتداولة حول مشاريع استراتيجية لصالح غزة في سيناء بالتعاون والشراكة مع مصر.

وعلى ضوء تراجع التمويل الامريكي للحاجات الفلسطينية، وعلى ضوء وضوح مواقف الدول العربية المانحة والتي ترفض التساوق مع توجهات فصل القطاع عن الضفة لتلبية احتياجات استراتيجية اسرائيلية، ومن متابعة التصريحات الصحافية الاسرائيلية، فليس من المستبعد أن يتم تمويل مثل هذه الافكار والمشاريع عن طريق اقتطاع اسرائيل لجزء من الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية.

وعلى عكس الافكار الامريكية التي سميت بصفقة القرن، يبدو ان المشاريع المتعلقة بغزة لها فرصة أكبر في التنفيذ، لعكس الاسباب التي عطلت صفقة القرن، تحديدا لأن معظم الاطراف المعنية تعتقد ان لديها مصلحة في هذه المشاريع، ويشمل ذلك اولا وبالدرجة الاولى اسرائيل، التي بذلك تكرس فصل الضفة عن القطاع وبالتالي تعيق مشروع الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، ومن ناحية اخرى تضغط على الرئيس عباس الذي تحرجها تحركاته السياسية الدولية، وكذلك حماس التي تسيطر على قطاع عزة، و تعتقد ان في ذلك مخرجا من ازماتها المتعددة في غزة، واخيرا مصر التي يشجها امكانية الاستفادة المالية وربما الامنية، اضافة لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة.

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.