معامل التأثير للمجلات العلمية بين التفرد وضبابية المدلول!

nbsp;يكثر في الأوساط الاكاديمية والبحثية النقاش والمحاججة حول موضوع معامل التأثير (Impact Factor) للمجلات والدوريات العلمية المحكمة, فمن متشبث به كفيصل متفرد في تقرير مستوى تلك المجلات والدوريات إلى من هو مشكك أو غير مبال به لاعتبارات شتى. وقبل الخوض في الموضوع يحسن الاطلاع على تعريف معامل التأثير هذا بحسب ما يوضحه موقع Thomson Reuters, وهو الجهة المعتمدة بين الاوساط الاكاديمية عالمياً في هذا الشأن. حسبما يذكر الموقع فإن هذا المعامل يحتسب للمجلة أو الدورية عن طريق قسمة عدد الاقتباسات الكلي التي حصلت عليها المجلة على عدد المقالات أو الابحاث التي نشرت في ذات المجلة في فترة زمنية معينة. فمثلاً يمكن احتساب معامل التأثير لمجلة ما في العام 2015 من عدد الاقتباسات الكلي خلال نفس العام التي حصلت عليها المقالات التي نشرت في المجلة في العاميين الماضيين 2013-2014 مقسوماً على عدد تلك المقالات. ومن الدارج أيضاً احتساب ما يعرف بمعامل التأثير لخمس سنوات, وهو على سبيل المثال عدد الاقتباسات الكلي في العام 2015 للمقالات المنشورة بين الأعوام 2010-2014 مقسوما على عدد المقالات المنشورة في نفس الفترة الزمنية.من ناحية المبدأ فإن هناك تقبلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية العالمية لما مفاده أن معامل التأثير يعكس سمعة المجلة أو اعتبارها, وليس بالأمر الخفي أن دور النشر تولي له أهمية قصوى وتترقب الإعلان السنوي عنه لتجعل من ذلك مناسبة للإحتفاء بمجلاتها ودورياتها التي تحصل على قيم مرتفعة له. ولعله لا يستعصي على القبول القول بأن عدد الاقتباسات للمقالة العلمية يفترض أن يعكس حجم التأثير الذي تحدثه تلك المقالة في الأوساط المهتمة, دون قصر ذلك التأثير على بعده الايجابي بالضرورة. وحتى يتيسر فهم الموضوع بشكل أفضل ويخرج المشهد من سيكولوجية التشجيع والتشجيع المضاد لفريق كروي فإنه ينبغي التأكيد على جوانب مختلفة فيما يتعلق بمعامل التأثير لعل منها ما يلي:أولاً- هناك ضرورة دائماً للأخذ بعين الاعتبار خصوصية الحقول العلمية من ناحية الرواج ومن ناحية التنوع البحثي فيها عند النظر لمعاملات التأثير, وبالتالي المحاذرة عند مقارنة مجلات ودوريات تنتمي لحقول علمية مختلفة. وفي هذا الإطار فهنالك الكثير من المجلات التي تحترمها أوساط أكاديمية في حقل ما رغم تدني معامل تأثيرها, والذي قد يتسبب به مثلاً وقوع المجلة في حقل غير رائج أو جذاب بالمعنى الدارج للكلمة. كذلك فإن حجم الحقل البحثي ونشاط الباحثين في ذلك الحقل يلعب دوراً أساسياً في تحديد عدد الاقتباسات للمقالات وللمجلات في ذلك الحقل. ففي الحقول الطبية والصحية مثلاً يوجد الكثير من المجلات بمعاملات تأثير مرتفعة, أما في المجلات المختصة مثلاً بعلوم الأرض فليس من الدارج ارتفاع معاملات التأثير.ثانياً- داخل الحقل الواحد يجب الالتفات الى نوعية المجلات عند مقارنة معاملات تأثيرها. فمن المعروف أن المجلات التي تنشر أوراق مراجعات (Review Articles) تحصل في العادة على عدد أعلى من الاقتباسات قياساً بالمجلات التي تنشر أوراقاً بحثية ومقالات علمية اعتيادية.ثالثاً- المجلات حديثة العهد عادة ما تفتقر لمعاملات تأثير أو يتدنى معامل تأثيرها في بداية حياتها في النشر. فحسب ما هو دارج فإن تحديد معامل التأثير للمجلة الجديدة يستغرق بين سنتين أو ثلاث, وتبدأ بمعاملات تأثير محدودة لا يلبث بعضها أن يرتفع فيما يبقى بعض آخر دون ذلك. بالتالي لا يجب التعويل كثيراً على معامل التأثير في هذه الحالة.رابعاً- عدد الاقتباسات التي تحصل عليها مجلة ما وبالتالي معامل تأثيرها يدخل في حسابه دون شك الاقتباسات الذاتية للمجلة, وارتفاع العدد لهكذا اقتباسات لا ينظر له بعين الرضى من طرف الجهات التصنيفية, حيث يذكر موقع Thomson Reuters بأن الاقتباسات الذاتية هي في الغالب لا تتجاوز 13 بالمئة من مجموع الاقتباسات التي تدخل في حساب معامل التأثير. تجدر الإشارة إلى أن هنالك من الباحثين من قد يكثر من الاقتباس من مقالات نشرت في المجلة التي ينوي النشر فيها وذلك في محاولة للتأثير ايجابياً على قرار المجلة بخصوص قبول مقالته للنشر.خامساً- خلال العامين الماضيين أخذت الكثير من المجلات والدوريات العلمية (خصوصاً الصادرة عن دار النشر العملاقة Elsevier) باستعمال معاملات أخرى بالإضافة إلى معامل التأثير وذلك تحاشياً للمآخذ المتعلقة به والتي كتب الكثير حولها. ومن بين هذه المعاملات يمكن ذكر SJR و SNIP, والتي لا تعتمد فقط على عدد الاقتباسات التي تحصل عليها مجلة ما ولكنها تضع في اعتبارها أيضاً مكانة المجلات والدوريات التي تأتي منها تلك الاقتباسات.سادساً- ينبغي الانتباه لوجود مجلات ودوريات تورد على مواقعها معاملات تأثير بمسميات معدلة قليلاً صادرة عن جهات مشكوك في مصداقيتها. ومن أجل تجنب الوقوع في شرك هكذا مجلات فإنه من الأصوب العودة دائما الى القوائم المعلنة من طرف Thomson Reuters.سابعاً- إن افتقار المجلات التي تنشر باللغة العربية, وغالبيتها العظمى تنتمي للحقول الاجتماعية والتربوية والانسانيات, لجهة تصنيفية موحدة لتحديد معاملات تأثير لها, يعتبر من أهم مشاكل المحتوى العربي المنشور. وفي هذا المجال فإن آراء النظراء والباحثين المعروفين تحتل أهمية قصوى في تقرير مستوى المجلات والمنشورات, وهو أمر ضروري ويسد فراغاً هاماً ولكنه يحمل في طياته مساحة لا يمكن اغفالها من العوامل الشخصية وغير الموضوعية, مما يستوجب انتقاء النظراء بشكل مناسب وتوسيع دائرة التقييم ما أمكن.ثامناً- عند النظر لموضوع معامل التأثير فإنه لا يجب وضع المجلات والدوريات التي تتبع للعلوم الطبيعية والتطبيقية في نفس السلة مع تلك التي تنتمي للحقول الاجتماعية والانسانية. فالأولى تتعامل مع حقائق مادية لا يحدها مكان أو زمان وتخضع للإثبات والدحض اعتماداً على مناهج علمية راسخة ليس فيها متسع لوجهة نظر الباحث. أما الثانية, ومع وجود منهجيات بحثية ومدارس فكرية ومعرفية لها ثقلها وتجذرها, إلا أن هذا لا ينفي امكانية اصطباغ العديد من المجلات والدوريات التي تنشر فيها بلون فكري أو حتى آيديولوجي أو سياسي يخاطب جمهوراً معيناً ويحدد بالتالي سلفاً الاطار البحثي لما يمكن نشره, وهذا مؤداه أن النشر العلمي المحكم يمكن أن يخضع لاعتبارات متغيرة في السياقات الزمانية والمكانية, وأن يتأثر تقييم الناتج البحثي تبعاً لاقترانه مع أحداث أو أفكار مهيمنة في مرحلة ما, ويستوجب بالتالي تأنياً وتجرداً شديدين عند تقييم المجلات ذات العلاقة وما هو منشور فيها. أضف إلى ذلك, وكما هي الحال في أمور أخرى, فإن موضوع الاقتباسات وبالتالي معاملات التأثير المبنية عليها قد لا يخلو مما يمكن اعتباره تحيزات ايديولوجية أو ثقافية أو جغرافية, فهنالك بين المؤلفين من قد يتحيز في اقتباساته لمجلات أو مقالات دون أخرى لأسباب غير علمية أو موضوعية.ختاماً, بالإضافة لمعامل التأثير, وكطريق مختصرة لتكوين فكرة أولية عن مستوى مجلة ما في حقلها فإنه بالامكان الاستعانة بموقع SciMagoJr والبحث في محركه عن اسم المجلة, حيث تظهر تصنيفات لحقل أو حقول المجلة وإلى جانبها يظهر ما يشير إلى وقوعها ضمن الربع الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع بين مثيلاتها في حقلها. وفي كل الأحوال لعله من البديهي أن لا يقتصر الحكم على مستوى المجلات والدوريات المحكمة وأداء الباحث ودرجة تميزه على ذلك فقط.nbsp;أ.د. طلال شهوان - عميد الدراسات العليا

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.