التعليم الإلكتروني –مع أو ضد فتح الكاميرات

كثر النقاش في الفترة الأخيرة حول موضوع فتح الطلبة لكاميرات أجهزتهم أثناء اللقاء الإلكتروني بما يشمل الحصة الإلكترونية أو الامتحان الإلكتروني، ويرى غالبية أعضاء الهيئة الأكاديمية وخاصة في الجامعات ضرورة أن يقوم الطلبة بفتح كاميرات أجهزتهم خلال اللقاء الإلكتروني، وذلك لخلق فرصة للتعارف بين الأستاذ والطلبة من جهة، حيث لم يسبق وأن تم لقاء وجاهي بين الطرفين في معظم الحالات، حتى أن بعض الأساتذة يعتقدون أنهم يقومون بتدريس أشباح، ويصبح فتح الكاميرا ضرورياً بالنسبة لهم إذا كان اللقاء امتحاناً عن بعد، وذلك للتأكد ممن يجلس في الطرف الآخر من الفضاء الإلكتروني، وما مدى مصداقية ما يقدمه الطالب من تقويمات وامتحانات إلكترونية من جهة أخرى.

من وجهة نظر الطلبة، فإن إصرار بعض الأساتذة على فتح كاميرات الأجهزة أثناء اللقاء الإلكتروني يشكل انتهاكاً لخصوصيتهم وخصوصية بيوتهم وأهاليهم، خاصة أننا نعيش في مجتمع شرقي له عاداته وتقاليده، كما أن إمكانات الطلبة وأهاليهم قد تكون غير قادرة على توفير بيئة تعليمية خاصة تفرض عليهم في البيت، مثل توفير غرفة منفصلة لكل طالب، أو توفير جهاز لكل طالب ومعلم، علماً أن بعض البيوت بها عدد لا باس به من المتعلمين والمعلمين، أو حتى انترنت سريع قادر على نقل الفيديو في الاتجاهين.

من وجهة نظري الشخصية، فإن الطرفين محقان، ويترتب على ذلك إيجاد حل توفيقي يلبي معظم مصالح واحتياجات الطرفين، وقد يتطلب ذلك بعض التفكير خارج الصندوق، فأعضاء الهيئة الأكاديمية بحاجة إلى الاطمئنان بأن من يقيمونه ويحكمون عليه بالنجاح أو الرسوب هو الطالب نفسه المسجل لديهم في الصف الدراسي، وليس ذويه أو أحد زملائه أو حتى خبير مستأجر، والطالب بحاجة إلى الحفاظ على خصوصيته وخصوصية بيته، فكم مرة تسرب فيديو بالخطأ أثناء اللقاء الإلكتروني، وكم مرة سمع أصوات أطفال او حتى صراخ من بيت ما في اللقاء. اتصلت بي إحدى الطالبات بعد لقاء إلكتروني وطلبت مني عدم عرض المحاضرة الإلكترونية المسجلة، لأن طالبة أخرى أخبرتها أنها ظهرت في المحاضرة بدون غطاء رأس، وطلبت مني عدم مشاهدة المحاضرة المسجلة، ووعدتها بذلك، ولم أعرض المحاضرة المسجلة، بل حذفتها واستبدلتها بمحاضرة مسجلة من فصل سابق.

في تقديري أن هناك بعض الترتيبات التي يمكن اتخاذها لحل هذا الإشكال، والتوصل إلى تفاهمات وإجراءات تلبي إلى حد ما رغبة الطرفين، وتحد من تخوفهم وتهدئ من قلقهم، وتقلل الغش في الامتحانات، ومنها:

أولاً: أن يتفهم طرفا العملية التعليمية أن التواصل والتطور الاجتماعي يشكلان جزءاً أساسياً، بل هدفاً رئيسياً من أهداف العملية التربوية التعليمية، وأن هذا الجانب يشكل نقصاً واضحاً في عملية التعلم الإلكتروني المفروضة علينا، ولا بد من خلق قنوات تواصل فعالة بين المعلم والمتعلم.

ثانياً: أن يدرك الطرفان أن عملية التقويم في التعليم الإلكتروني تختلف عن نظيرتها في التعليم الوجاهي، وهذا يتطلب التفكير في التقويم كعملية ممنهجة مستمرة مبنية على التراكم في الأداء، وليس على نتائج امتحان أو اثنين، ما يتطلب تحفيز الطلبة أن يكونوا متعلمين نشطين.

ثالثاً: أن يتفهم الطلبة حرص الأساتذة على تأدية الأمانة التي يحملونها تجاه طلبتهم على أكمل وجه، بما في ذلك حرصهم على إتاحة فرص متساوية لجميع الطلبة للتعلم،

رابعاً: أن يتفهم الأساتذة حرص الطلبة على خصوصيتهم وخصوصية أهلهم وبيوتهم، وحرصهم على الظهور أمام المدرسين والأقران بأحسن حال.

خامساً: من الضروري أن يتم في بعض الأوقات إجراء لقاء مرئي بين الأستاذ والطلبة، وعلى الأستاذ إعلام الطلبة بذلك مسبقاً.  وقد يكون انتقائياً لمجموعة من الطلبة تتكرر مع طلبة آخرين كل لقاء، على ألا يكون فتح الكاميرات إجبارياً تحت أي ظرف.

سادساً: التنويع في التقويمات ما بين التقويمات القصيرة، بحيث يشمل كل لقاء تقويم قصير وتغذية راجعة من الطالب، والتقويمات الشفهية التي يظهر بها الطالب عبر الفيديو وجهاً لوجه مع الأستاذ، وكتابة الأبحاث والمشاريع.

سابعاً: التنويع في الأسئلة المستخدمة في التقويم الرئيسي بحيث يتم استخدام أسئلة تبنى إجابتها على التفكير المنطقي والتحليل لا الحفظ، وأن يتم استخدام التقنيات التي توفر أجوبة مختلفة لنفس الأسئلة، مع إمكانية تبديل مواقع الأجوبة في السؤال الواحد في حال كان الجواب اختيار من متعدد، وتبديل مواقع الأسئلة في الامتحان، كذلك عدم إظهار جميع الأسئلة مرة واحدة، وإعطاء وقت معقول ومدروس للإجابة على الامتحان.

 

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.