لتكتمل "وقفة عز" علينا أن نساهم وأن نسأل

تفاءلتُ بإنشاء صندوق " وقفة عز"، مبادرة ستزيد مساهمات دعم المجتمع وتخلق مساحةً للمشاركة والتغيير. نأمل أن تسعى إلى إغاثة من انقطع رزقهم وأن تركّز على صمود هذا المجتمع بعد انحسار الأزمة.

يمكن لهذه المبادرة أن تكون نواة لتغيير الثقافة المجتمعية ونقل العطاء من العمل الخيري على أهميته إلى التغيير الاجتماعي والجمع بينهما. فقد آن الأوان لنثق بمؤسساتنا وبقضايانا المجتمعية وحان الأوان لأن يصبح العطاء ثقافةً ومسؤولية مجتمعية. بحيث يكون فعلاً عضوياً لا نحتاج إلى جهد للاقتناع به، إنما نحتاج لإدراك القضايا المجتمعية كي نساهم بها. وإذ ركّزت انطلاقة المبادرة على الشفافية، فإنها فرصة لنقل العطاء إلى صورة مهنية تتسم بالصدق والتأثير. إنه مطلب كل المعطائين لفلسطين، لا يريدون إلا أن يروا فلسطين وأهلها بخير وأن يعايشوا فرصة ولادة المستقبل الأفضل تبدأ من فعل اليوم وصدقه. نتمنى أن تخلق هذه المبادرة شراكة حقيقية بين المساهمين والناس والعملية برمتها، فنشر معلومات المساهمات وأولويات وتقارير الصرف، ليس من باب التشكيك والرقابة وإنما من باب المسؤولية والقناعة بالشراكة وتعزيز الثقة، سيخلق تجربة حقيقة من تقاسم المسؤوليات والنتائج.

نفخر بأننا مجتمع متكافل، تجاوز حصارات وإغلاقات وانتفاضات طويلة. نساعد العائلة والأصدقاء والجيران ولكن لا نقدم تبرعاً لمؤسسة أو جمعية إلا إذا كان المطلب إغاثياً. اليوم علينا جميعاً أن نساهم لإنقاذ مجتمعنا ولصناعة تغيير حقيقي. ليس علينا فقط الاعتماد على المساعدات والمنح وعطاء الموسرين والمساندين للنضال الفلسطيني في العالم. لزاماً علينا نحن الفلسطينيين الذين نعيش على أرض فلسطين أن نساهم بشكل مستمر، وأن نجتث الأفكار التي تركز على الاتكالية وانتظار الغيث. العطاء مسؤولية، وآن الوقت لأن نزيل الغباش عن فكرنا فالجميع يستطيع أن يقدم شيئاً، والعطاء يكون بالوقت والمال والمهارة.

لنكن صادقين مع أنفسنا؛ جميع المؤسسات بأشكالها العديدة الأهلية والخاصة والمدنية تضررت. لو يساهم الجميع فإننا سنتمكن من اجتياز الأزمة بتوزيع المسؤولية. لقد شهدنا تميزاً للمجتمع المدني خلال هذه الأزمة وتفوقاً على جميع القطاعات. استطاعت المجالس القروية والعائلية والمبادرات الشبابية والتطوعية أن تجمع التبرعات النقدية والعينية بشكل يدعو للفخر، وأن تقدم المساعدات المباشرة للمتضررين. هناك عشرات المبادرات التي حولت فكرة أننا مجتمع متكافل إلى فعل حقيقي متناغم.

لزاماً علينا نحن الفلسطينيين الذين نعيش على أرض فلسطين أن نساهم بشكل مستمر، وأن نجتث الأفكار التي تركز على الاتكالية وانتظار الغيث

أما القطاع الخاص فقد بدأ بتقديم مساهمات لدعم الحكومة، نتمنى أن تمتد أيضاً لدعم الصندوق. وفي نفس الوقت نتمنى على الحكومة أن تعلن إجراءات إنقاذ المجتمع التي بدأت بها وكيف ستعظّم من قيمة هذه المساهمات من خلال إجراءات حمائية في صرف المال. وينقسم القطاع الخاص إلى شريحتين: 8% شركات متمرسة و92% شركات صغيرة وعائلية. والشريحة الأولى هي التي تستطيع تقديم مساهمات كبيرة. أما الشركات الصغيرة والعائلية فإمكانهم أيضاً أن يساهموا كأفراد أو كأعمال حسب الإمكانيات. كما يندرج تحت القطاع الخاص الأفراد العاملين به والذين يحصلون على رواتبهم ومداخيل أخرى يستطيعون هم أيضاً أن يساهموا. فالقطاع الخاص ليس الهيئة التجارية فقط إنما العاملين فيها وهم أكبر شريحة مجتمعية. ويليهم موظفي الحكومة الذين يستطيعون المساهمة أيضاً، خصوصاً في ظل إزالة أعباء القروض وكذلك إزالة أعباء العمل عن الكثيرين. إنها نفس حال موظفي المؤسسات والشركات الذين ما زالوا يحصلون على رواتبهم وكثيرين دون أعباءٍ للعمل، جميعهم يستطيعون المساهمة.

إنها منظومة علائقية متشابكة. يجب أن نمر الأزمة بذكاء وبشكل صحيح. فإذا تُرك المحتاجون، وأُهمل العمال في فعل من سوء التعامل، وترك الطلاب التعليم، سنخسر الغد.

وما زالت المؤسسات الأهلية متروكة تعاني وكذلك الأعمال الصغيرة، في حيرة ما بين اقتطاع من الرواتب وما بين تأمين مواردها المالية. المنح والتبرعات والاتفاقيات إن لم تكن توقفت فقد تجمدت. إن الأَولى بدعم هذه المؤسسات هم موظفيها. عليهم مسؤولية مساندة استمرارية مؤسساتهم من خلال مبادرات التبرع بنسب من رواتبهم من 50% إلى 30% حسب السلم الوظيفي. كي يحقق ذلك مشاركة عادلة من الجميع كل حسب دخله. لماذا ننتظر أن تفقد هذه المؤسسات إمكانياتها بالاستمرار وأن تضطر إلى اقتطاعات تعسفية في الرواتب والمداخيل، ونخلق فوضى لا معنى لها. لِمَ لا نكون جزءاً من الحل والمساهمة، بدل المطالبة.  فإن كنا كأعضاء لهذه المؤسسات غير مقتنعين بالعطاء لها وبمساندة استمراريتها فكيف إذاً سيقتنع الآخرون بذلك.

جميعنا محتاجون ومحتاجٌ إليه، فلا يحتاجنا العمال فقط الذين انقطع رزقهم من المداخيل اليومية، بل يحتاجنا الشباب وأبناء العائلات التي انقطعت أرزاقهم كي يستكملوا تعليمهم الجامعي والتقني. تحتاجنا النساء المعيلات والمنتجات، تحتاجنا المؤسسات لتستطيع أن تستمر. إنها منظومة علائقية متشابكة. يجب أن نمر الأزمة بذكاء وبشكل صحيح. فإذا تُرك المحتاجون، وأُهمل العمال في فعل من سوء التعامل، وترك الطلاب التعليم، سنخسر الغد. فمقابل خسائر مادية نسبية يتحملها الجميع نكسب مجتمعاً مترابطاً، يتضامن أفراده مع بعضهم البعض، مجتمعاً نتضامن فيه مع أنفسنا أولاً. نريد الدخول في المرحلة القادمة بمجتمع مترابط، يشعر أفراده بالانتماء والمسؤولية، مجتمعٍ سليمٍ ومعافى يكفل استمرارية جميع أطيافه. جميعنا نستطيع أن نساهم، لنساهم بشجاعة، كلٌ من موقعه وحسب إمكانياته.

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.