قبل حوالي السنة زارني أحد الأصدقاء في مكتبي ومعه بضعة أعداد من كتاب جديد ألفه، وكان يقوم بإهدائه على معارفه. وكتب لي في الإهداء إلى الأخ المناضل.... فرجوته أن يعطينا كتابا آخرا ويكتب في الإهداء اسمي فقط دون إضافة كلمة مناضل بعدها.
وبالأمس كرمني سيادة الرئيس أبو مازن (ضمن تكريم لآخرين) وفي شهادة التكريم تم إلحاق كلمة مناضل باسمي. وبالطبع شكرته على هذه اللفتة الكريمة وقدَّرتها له كل التقدير. ولكن لم أطلب منه أن يغير في النص كما عملت مع صديقي. فأنا أتعامل مع رئيس دولة فلسطين وأدرك تماما ما تحمله هذه الشهادة من معان مخلصة.
وفي رأيي فإن تعبير المناضل هو تعبير مقدس ويجب ان يستعمل فقط للدلالة على الذين أفنوا حياتهم (بكل ما تعنيه الكلمة من معنى) في سبيل الوطن– أي هم الشهداء والأسرى والجرحى والقابعون في سجون الاحتلال. فهؤلاء هم المناضلون الحقيقيون،
وأدرك أن الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية يكرمانهم باستمرار. وفي افتتاح دورة المجلس الوطني مساء أمس الأول، كانت القاعة تعج بالتصفيق كلما تم ذكر اسم شهيد أو معتقل سياسي.
أقول هذه الأمور لأبدي تحفظي الإيجابي على استعمال كلمة مناضل لكل من عمل في الحقل العام. وأنا منهم، أي من اللذين عملوا على مدى فترة طويلة في العمل العام، إما في جامعة بيرزيت أو في لجنة الانتخابات المركزية أو كعضو في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية. ولكني لا أعتبر ذلك نضالا، بالرغم من اقتناعي بأهمية العمل الذي كنت أقوم به.
أذكر أنه قبل سنوات طويلة كان والدي – رحمه الله - يعمل موظفا ايام الانتداب البريطاني. وبعد تقاعده، كنت أضطلع على نسخ من الرسائل الجوابية التي كان يكتبها إلى المواطنين الذين كانوا يتقدمون له باستفسارات أو شكاوى. وكانت جميعها مذيلة قبل توقيعه في نهاية الرسالة بتعبير "خادمكم المطيع". واستفسرت منه عن ذلك التعبير فقال إننا جميعا نعمل من اجل المواطنين ونتلقى رواتبنا من الضرائب التي تجنيها الحكومة من المواطنين وبالتالي نحن بالفعل "نخدم المواطنين". وبالرغم من أنني لم أشاركه الرأي في ضرورة استعمال ذلك التعبير، إلا أنني تفهمت ماذا يعني العمل العام – أي أن نعمل من أجل المواطن وفقط من أجل المواطن.
وفي مجال الحديث عن التعابير، فلا أعرف لماذا ما زلنا نستعمل "معالي" للوزير أو "دولة" لرئيس الوزراء. وفي منظمة التحرير (وهي السطلة العليا لنا كفلسطينيين)، فإن التعبير الدارج كان وما زال "الأخ" أو "الأخت". أما في السلطة الفلسطينية فقد تطورت التعابير بين ليلة وضحاها من "الأخ" أو الأخت" إلى "معالي". وأصبح رئيس البلدية "سعادة" والمحافظ "عطوفة". وأنا أدرك أن التعابير قد تختلف بين المنظمة والدولة. ولكن حتى ضمن هذا الاختلاف أتساءل إن كان بالإمكان إعادة التفكير في تعابير متطابقة مع التعابير المستعملة في منظمة التحرير الفلسطينية – الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وللعلم فإن الدول المتقدمة تستعمل تعابير مبسطة لجميع المناصب الرسمية فيها.
لا أعرف لماذا انجرفت في موضوع التعابير، والمجلس الوطني منعقد وهنالك أمور أكثر أهمية من التعابير. ولكنني أدرك أنه خلال اليومين القادمين ستزخر الصحف بالمقالات والآراء حول المجلس الوطن ومخرجاته. وبالتالي رأيت أن أدلو برأيي في موضوع جانبي لتخفيف حدة النقاش حول استراتيجياتنا السياسية المستقبلية.
نشر هذا المقال أيضاً في جريدة الأيام