آداب الفيسبوك

اخلاقيات الاعلام ليست بعيدة عن الاخلاقيات العامة، وهي تنسحب أيضا على اخلاقيات النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن هذه الاخلاقيات تظل عرضة لمواجهة المستجدات وبالتالي تظل محتاجة الى التطوير. ومن هذه المستجدات التي تستدعي تطوير البنود الأخلاقية:

مستجدات تقنية: كولادة أدوات جديدة مثل البث المباشر عبر الفيسبوك وغيره، او وجود التسجيل صوت وصورة في برامج التعليم عن بعد كالزووم وميكروسوفت تيمز وغيرها

مستجدات واحداث عالمية: كانتشار وباء كوفيد ١٩ وما يستدعيه من حفاظ على خصوصية المرضى، والجدل الدائر حول نجاعة اللقاحات وما يستدعيه ذلك من حرص في تناول اخبارها.

مستجدات محلية: كتنامي اعداد محاولات الانتحار مثلا وما يفرضه ذلك من حساسيات يجب مراعاتها. او توزيع المساعدات على الفقراء والمزاوجة بين ضرورات الشفافية والحفاظ على كرامة المحتاجين. او زيادة عدد حالات التلصص واختراق الخصوصية او تفشي الجريمة الالكترونية.

مستجدات خاصة: قد تبرز في سياق عمليات النشر والتفاعل إزاء قضايا حساسة كجرائم العنف الاسرى والاستغلال الجنسي او قضايا كبرى تشهد تباينا في الآراء وقد تشكل قضايا رأي عام. في بعض الأحيان يحدث الانتهاك الأخلاقي عبر التعقيب والتفاعل وليس عبر المنشور بحد ذاته.

مستجدات امنية: فالصور والاخبار التي تنشر عبر وسائل التواصل قد تؤدي الى الكشف عن هوية متظاهرين او جرحى وتلحق اذى كبيرا بهم وقد تسفر عن اعتقالهم، ويندرج في هذا الباب ما ينشره البعض من مقاطع التقطتها كاميرات المراقبة المنصوبة لحماية بيوتهم او متاجرهم، ان حق هؤلاء في تركيب كاميرات لحماية املاكهم لا يعطيهم الحق لنشر ما تصطاده هذه الكاميرات

ان الاهتمام بهذه الاخلاقيات والعناية بتطويرها مصلحة جماعية، فالكل تقريبا وقع في يوم من الأيام بشكل او باخر وبهذه الدرجة او تلك ضحية لواحدة من الخروقات الأخلاقية، التي قد يكون بعضها للأسف غير منصوص عليه كتابة.

رأينا في بعض الحالات ان انتهاك خصوصية المرضى قاد الى ما يشبه حملات تشهير ضد قراهم ومخيماتهم، ورأينا ان تغطية بعض حالات او محاولات الانتحار كانت تقترب من تبرير الجريمة، وقد تغرق في شرح طريقة الانتحار وهو ما قد يعتبر تشجيعا لبعض المراهقين او ذوي الشخصيات الهشة على محاولة الانتحار.

ورأينا اشكالا من التفاعل تسبب الأذى للأصدقاء بمنتهى حسن النية، كأن تكتب شتائم ضد دولة عربية على صفحة صديق يقيم ويعمل في تلك الدولة.

وشهدنا الكثير من التهافت والتحفيل والمشاركة في حفلات للسخرية من شخص ابدى رأيا نشازا بحسب البعض، او مارس خطأ ربما يكون غير مقصود.

ورأينا ان بعض جلسات التفاعل بين الأصدقاء انزلقت من تفاعل اجتماعي لطيف الى جو مشحون بالتوتر بعد ان ادلى أحدهم بنكتة فسرها آخرون على نحو عنصري او حض على الكراهية، فما يقال وجاهيا بين الأصدقاء في جلسات المساء قد يحمل ايحاءات اخرى حين يكتب ويشاهده العموم.

الكلام المكتوب عبر الفيسبوك يأتي جافا ومقتضبا وقد لا يقترن بصاحب نعرفه او نقدر حسن نواياه، وعندها سيكون من السهل ان يُحمله البعض او يفهموه على انه تعريض بهم او انتقاص من شأنهم.

ورأينا محاولات غير بريئة في العديد من الأحيان للتشويش وحرف النقاش الذي يطرحه شخص ما والسير به الى مقاصد بعيدة.

وشهدنا مزيدا من الاعتداءات على الملكية الفكرية، وبات البعض يستخدم كلمة "منقول" لتبرير هذه السرقة وهذا الاعتداء، وشهدنا استخداما ضارا للوسوم عبر وضعها أسفل منشورات تحتوي اخبارا وصورا وفيديوهات زائفة او مضللة.

وشهدنا محاولات "تبييض" للشائعات، حيث يرميها أحدهم في مجموعات الوتس اب، وينتظر تحولها على يد أحد المغرضين او المغفلين الى خبر على وسيلة اعلام تافهة ليقوم بتداوله على عهدتهم.

ورأينا نبشا سيء المقصد في حسابات افراد بغرض البحث عن أي هفوة او خطأ سابق او موقف يخالف موقفهم الحالي للطعن فيهم، دون أي اعتبار لحقيقة ان الوحيد الذي لا يغير رأيه بمرور الايام وتوالي التجارب هو الحمار.

طبعا لا يمكن ضبط اخلاقيات جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، والبعض منهم يعرف هذه الاخلاقيات أفضل من غيره ولكنه يصر على انتهاكها ويطور قدراته في هذا المجال لكي ينجو من أي لوم او محاسبة.

رغم ذلك يبقى الرهان قائما على المستخدمين الجيدين والصحافيين لممارسة دورين؛ الأول هو التشدد في الالتزام بمعايير حرية الرأي والتعبير وبمبادئ واخلاقيات المهنة، والثاني هو ممارسة المسؤولية الاجتماعية من خلال توعية الجمهور وكشف الشائعات وفضح أصحابها.

اميل أحيانا الى مقارنة الصحفي بالطبيب فكلاهما صاحب مهنة ورسالة إنسانية تستدعي القيام بواجب الوقاية قبل العلاج، وتستدعى القيام بهذا الواجب في كل الأوقات وبذله لمنفعة جميع الناس. ويمكن إعطاء افضلية للصحفي كونه يحمل توكيلا دائما من الجمهور للعمل في كشف الحقائق على عكس الطبيب الذي يحتاج الى هذا التوكيل كلما أراد معاينة او تطبيب أحد ما.

إذا كانت اقدارنا على الأرض بين الرماد والسواد فلنحاول تنقية هذا الفضاء الأزرق الذي يجمعنا ليكون مسليا ومفيدا، مشجعا لتبادل الآراء باحترام، ومعلما لمن هم أصغر سنا، وحساسا تجاه المستضعفين وأصحاب الذوات الهشة، ومحافظا على الملكية الفكرية للآخرين، وغير مؤذ ولا معتد على خصوصيات الآخرين.

إستفت قلبك وإن أفتوك، وضع نفسك في مكان من تتعرض لهم وتكتب عنهم، وتذكر ان ابنك او ابنتك سيقرأ ما كتبت، واعلم ان كثير من الباطل يموت بترك ذكره، واعلم ان للصداقة حتى وإن كانت افتراضية عبر الفيسبوك احكام وآداب يجب مراعاتها، وكن على يقين ان الفيسبوك عالم افتراضي، وسيظل افتراضيا، وان لا بديل عن الواقع الذي نهرب منه.

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.