العنوان! عواصم تفصلها عوارض “Dashes" تليها (وبالعكس)...
تماماً كما تفصلها عن بعضها حدود ونقاط تفتيشٍ وأنظمةٌ واحتلال. يبدو كخط سيرٍ حافلة أو قطار لن ينطلق إلى وجهته أبداً، هذا ما تبادر الى ذهني حين هاتفني سامر بالأمر... فقلت؛ "بتمزح ولا بتحكي جد؟"
كانت فكرة حالمة لحظتها، عمل مشترك بين فرقة يلالان الفلسطينية والمقيمة في فلسطين وبين فرقة اسكندريلا المصرية والمقيمة في مصر بمشاركة موسيقيين أردنيين.
ما نذكره جيداً على قصر ذاكرتنا الشابة، وما يرويه التاريخ لنا، أن منطقتنا العربية كانت ولا تزال تعيش حالات انقسام وتنافر، واختلاف وتفكك، وتصارع اجتماعي واقتصادي وسياسي وثقافي مستمر، رغم ما يعتقده كثيرون من توفرٍ كافٍ لأسباب تلاقٍ لا تحصى، من مكونات تاريخية ولغوية وعقائدية وثقافية مشتركة، ونحن منهم.
لقد قررنا عامدين أن نسقط على مفهوم العمل الموسيقي المشترك مضمون شعار ألفناه طويلاً وهو "العمل العربي المشترك"، كضرورة ثقافية حتمية، توصي بحفظ تراثنا العربي، وتوقظ في عقول شبابنا الوعي تجاه تنفيذ "المشترك" النابع من فهم وهم وأمل واحد، فكانت فكرة انتاج "الخط ده خطي"، عمل موسيقي مشترك، للتأكيد على أن باستطاعة الشباب العربي (الموسيقيون العرب) الاتحاد بطرق مختلفة أولها وأولاها الفن، كلغة تخترق كل الحدود وتتحدى كل الحواجز.
٢٥ موسيقياً من الشباب تجمعهم عروبتهم وكلمتهم الحرة وموسيقاهم، يسكنهم إرث شيوخ الطريقة٬ يلتقون في ظروف استثنائية.
منع الاحتلال الإسرائيلي فرقة اسكندريلا من الدخول إلى فلسطين، فكان لا بد من إيجاد نقطة تلاقي في الوسط. ضغوط هائلة من الخوف والقلق والتوتر، يحيط بالتجربة، ولم يكن لدى أي منا يقين بأن وصولنا أو لقائنا سيكون أكيداً... ها نحن ننطلق براً من القدس، بيت لحم، الخليل، نتجمع في رام الله، نمر بأريحا والأغوار، نصل الشونة مروراً بقرى لم نعرفها فعمان...ها هم ينطلقون جواً من القاهرة، نحن الآن في مخيم شنلّر للاجئين الفلسطينيين– ماركا –الرصيفة-الزرقاء -وسط عمان وبالعكس.
سبع ساعات يومياً تمر وعلى مدى سبعة أيام كانت كفيلة بتحقيق التلاقح الكبير الذي تحدى فيه كل منا الجغرافيا، السياسة، والاحتلال. حازم يلقن الصبايا جملة الخط الثاني في شكل ربع دائرة٬ أشرف يتأكد من إتقاننا للفظ الكلمات باللهجة المصرية في ربع دائرة أخرى، يعقوب يحل معضلة "الكوردات" مع ماهر على "الكيبورد" وجهاً لوجه ... أعواد إبراهيم واسلام ... ناي وكمان...
"إحنا أجمل ويّا بعض" كما رآنا الشاعر المصري أمين حداد حين كتب شعراً، ليلحنه حازم شاهين وننشده سوياً على خشبة مسرح المدرج الروماني، ضمن فعاليات مهرجان موسيقى البلد ووسط حضور وتفاعل عظيمين.
هي دعوة للوقوف عند واقعنا السياسي والوطني، لنعيد التفكير في هوياتنا الثقافية وتوجهاتنا وما نأمل فيه.
ضم العمل 12 أغنية مختارة من تراث الشيخين إمام وسيد درويش، قدمت بتوزيع جديد، وتناولت مضامين سياسية ووطنية في المقام الأول، والتي كانت قد أنتجت في عشرينيات، ستينيات، وسبعينيات القرن الماضي، لكنها ما زالت حيّة إلى يومنا هذا بمضامينها ورسائلها وظروفها، التي تحاكي الواقع وتعبر عنه، إضافةً إلى تقديم أغاني خاصة للفرقتين وأخرى مشتركة قدمت للمرة الأولى، كلها تناولت قضايا؛ رفض الاحتلال والتطبيع معه، جشع رأس المال، رفض الظلم والاستغلال، عروبة الأرض، قدسية حرية الكلمة، شرعية المقاومة، الحق والعدالة والمساواة.
ساهم التوافق الكبير في التوجهات الفنية والفكرية للفرقتين، ونجاح لقائهما الأول في القاهرة صيف ٢٠١٦ بإعادة إنتاج أغنيتي "شيد قصورك" و "يا فلسطينية"، في تعزيز الشعور الايجابي بضرورة استكمال التعاون وتوسيع إطار التأثير والتفاعل مع فكرة الشراكة العربية وأهميتها،
لكن ما أحدث الفرق فعلاً كان إيمان المنتجين والداعمين والشركاء بجدوى هذا المشروع الذي من المتوقع أن يجوب عواصم ومهرجانات عربية عدة ضمن جولة عروض للعام 2018، وسيتاح لجمهور المهتمين ضمن ألبوم موسيقي، كما يتم تباعاً إطلاق الأغاني المصورة من العرض على موقع "يوتيوب".
كأي مسافة حرة بين نقطتين، هنالك دوماً خيارين للوصول: الأول؛ أن تسلك الخط المستقيم، -مباشر هو، سريع، مريح، قليل الأسئلة -والثاني خط سير متعرج – متقطع – دائري، قد يعيدك من حيث أتيت، وقد لا يوصلك إلى وجهتك أبداً، لكنه حتماً سيوصلك بنفسك؛ القدس -عمان -القاهرة وبالعكس.
"الخط ده خطي" -عمل موسيقي مشترك، من إنتاج سامر جرادات للإنتاج الموسيقي، وبدعم من مؤسسة عبد المحسن القطان ووزارة الثقافة الفلسطينية وبالشراكة مع مهرجان موسيقى البلد ومسرح البلد.