بيرزيت تغرد خارج السرب

أعلن مجلس أمناء جامعة بيرزيت تعيين الدكتور بشارة دوماني رئيساً للجامعة، ابتداء من العام الأكاديمي القادم 2021/2022، خلفاً للرئيس الحالي الدكتور عبد اللطيف أبو حجلة، الذي ترأس الجامعة بكل كفاءة، وقادها بكل اقتدار، خاصة في فترة جائحة كورونا، ولمدة ست سنوات. وكشاهد على العصر، حيث عايشت الجامعة ما يقرب من نصف قرن، أستطيع أن أقول إن ما يحدث في جامعة بيرزيت غير مألوف في السياق الفلسطيني بشكل عام، إذ تحرص الجامعة على تكريس مبدأ تدوير المناصب، من رئيس الجامعة ونواب الرئيس وحتى رؤساء الدوائر والأقسام.

تربطني علاقة زمالة ومودة مع رئيس الجامعة الحالي د. أبو حجلة، فقد تعرفت إليه منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، حيث عملنا معاً كزملاء وأعضاء هيئة أكاديمية في كلية العلوم، ثم عملت كرئيس لدائرة الفيزياء تحت إشرافه كعميد لكلية العلوم، وعملت عميداً لكلية العلوم تحت إشرافه كنائب للرئيس للشؤون الأكاديمية، وعملت ولا زلت أعمل للسنة الخامسة على التوالي. مساعداً لرئيس الجامعة تحت إشرافه كرئيس للجامعة. أذكر عندما تعين الدكتور أبو حجلة رئيساً للجامعة، حيث كنت أشغل وقتها منصب أمين المظالم في الجامعة، وكنت أتواصل مع الرئيس مباشرة بحكم طبيعة عملي، استدعاني ذات مرة، وقال لي: ما حاجتنا لمنصب أمين المظالم ما دام لدينا قانون الجامعة ونطبقه على الجميع، واقترح علي أن نجمد هذا المنصب وأن أفكر في منصب مساعد الرئيس وقبلت العرض.

يسعدني أن أتحدث عن تجربة طويلة عايشت فيها الدكتورعبداللطيف، واسمحوا لي أن أتحدث بكل صراحة ودون مواربة أو مجاملة، وأشعر بالارتياح الآن للحديث، حيث أقع خارج نطاق الاتهام بالمداهنة، فهو يتوج رحلته في بيرزيت بعد بضعة أشهر، وأنا سأتقاعد مع نهاية هذا العام الأكاديمي، فقد عايش الدكتور أبو حجلة تجربة جامعة بيرزيت في مهدها، وترك بصماته الأكاديمية والإدارية في كل مكان. فهو من قاد الجامعة للتميز الأكاديمي ودخول التصنيفات العالمية كأول جامعة فلسطينية، وهو الذي كان وراء استحداث العديد من الكليات والبرامج الأكاديمية المميزة. وفي المجال الإداري عمل الدكتور أبو حجلة على تدعيم مبدأ اللامركزية في العمل، وأستحضر كلماته في كثير من الاجتماعات حيث كان يكرر عبارة " كل مسؤول عنده صلاحياته التي يحددها له القانون، وعليه أن يمارس هذه الصلاحيات".

حافظ الدكتور أبو حجلة أن تبقى جامعة بيرزيت منارة للعلم وموطناً للديمقراطية وتقبل الاختلاف، وحرص أن يمارس الطلبة من جميع الأطياف السياسية حقهم في الاقتراع، واختيار ممثليهم في مجلس الطلبة حتى في أصعب الظروف. طبعاً هذا التميز وهذا الإنجاز لم يكن ليتم لولا الروح الإيجابية والانتماء للمؤسسة التي يتحلى بها العاملون والطلبة، وكان حريصاً كل الحرص على إشراك مكونات الجامعة الثلاث من عاملين وطلبة وإدارة في مناقشة قضايا الجامعة اليومية والاستراتيجية.

وبعيداً عن الجانب الأكاديمي والإداري، حمل الدكتور أبو حجلة صفات إنسانية قل أن يحملها كثير من المسؤولين، فقد تعامل مع الطلبة كأبناء، وكثيراً ما كان يطرح هموم الطالب الفلسطيني في الجامعة، خاصة في جائحة كورونا أمام مجلس الجامعة، وقد ساعد الكثير من الطلبة الجدد المتميزين في الالتحاق بهذا الصرح العلمي، والذي لم يكن باستطاعتهم الالتحاق به بسبب أوضاعهم المادية، وكان باب مكتبه مفتوحاً لجميع العاملين والطلبة، لدرجة أننا من حوله كنا نطلق عليه لقب " القلب الحنون". وقد بادر شخصياً في كثير من المناسبات إلى تحسين أوضاع العاملين في الجامعة، خاصة الموظفين ذوي الرواتب المتدنية، دون ضغط أو إشارة من أحد، وقد عمل دكتور أبو حجلة كبحار محترف أبحر بجامعة بيرزيت، ووجهها بر الأمان، بالرغم من الأعاصير الداخلية والخارجية التي كانت تعصف بالجامعة.

 

يودعنا الدكتور أبو حجلة كرئيس للجامعة بعد بضعة أشهر، بعد عطاء استمر أربعون عاماً، وقد أدى الرسالة، وخدم الجامعة ومجتمعها بإخلاص وتفان، وحافظ على موروث الجامعة الحضاري وتميزها الأكاديمي والثقافي، وقد تكون هذه الكلمات قاصرة عن التعبير عن واقع الحال، ولكني أرى لزاماً علي كزميل عايشه فترة طويلة من الزمن أن أنصفه ، وأن أقول بعض الكلمات التي قد لا تفي بحقه، فشكراً دكتور عبداللطيف، أتمنى لك موفور الصحة والعافية والعمر المديد، وأدعو بالتوفيق للرئيس الجديد الدكتور بشارة دوماني في خدمة الجامعة ومجتمعها، متمنياً لجامعة بيرزيت كل الرفعة والتقدم والازدهار في خدمة أبناء وبنات الشعب الفلسطيني.

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.