جامعة بيرزيت... مؤسسة أكاديمية مستقلة

إن الشرط الأساسي لاستقلالية الجامعة، أي جامعة، في أن تستمر في تقديم عطائها على مسار أكاديمي يوفر لطلبتها وهيئتها التدرسية وعامليها مناخا صالحا لاستقلال الفكر والعمل.

وجامعة بيرزيت ليست مؤسسة سياسية مؤطرة في فئة او فئات، بل هي مؤسسة أكاديمية وجدت في الأساس لكي تخرّج أجيالا قادرة على حمل فكر مستنير ..فكر علمي.. سليم ومستقل.. وإذا كانت الجامعة بطبيعتها تحوي تحت جناحيها جميع الفئات السياسية وغير السياسية .. المتنافسة وغير المتنافسة،  فإن دورها ينحصر في احترام جميع أطيافها وأجسامها دون أن يؤثر ذلك على استقلاليتها وسياستها ودون أن تمنح أبوتها لأي فئة منها.

ومن البديهي أن تعبّر الجامعة ( باعتبارها جسما مجتمعيا) عن رأيها السياسي أو موقفها السياسي في مجمل القضايا المطروحة على ساحة الوطن،  لأنها بدون ذلك تنفصل عن مجتمعها وتصبح جزيرة عاجية تحلق في كوكب آخر، ولكن ينبغي في هذا السياق أن ندرك المحاذير والخطوط الحمراء التي يجب عدم تجاوزها، وهي ان الجامعة يجب ان لا تدخل اللعبة السياسية في مسار محدد ذي لون محدد، لأن انخراطها في هذا الدور يسحب منها مبرر وجودها ويفقدها احترامها لدى الشارع الفلسطيني، بل واحترام الأوساط الثقافية والأكاديمية محليا وعربيا ودوليا.

الجامعة تشجع المجموعات والحركات الطلابية على التحالف والتعاون لما فيه خير ومصلحة العمل الأكاديمي والتربوي، ولكنها في المقابل ترفض التحالف الذي يجير لمصلحة الفرد أوالفئة أوالذات وتعتبره ممارسة هدامة، ستسهم ولو بعد حين في هتك النسيج الأكاديمي، وستسهم في تخلف الجامعة عن قطار الحضارة.

مهمة أساسية تقع على عاتق المؤسسة الجامعية ومؤسسات المجتمع الفلسطيني وهي بناء شخصية الطالب وتكوينه ذهنيا ونفسيا لكي يكون مواطنا صالحا في مجتمعه خاصة في فترة التحديات.

وإن العنصر الأساسي في شخصية الطالب هي الفكر المستقل الذي لا يخضع للمعايير السياسية  والساسة، وإذا كانت تلك مهمة أساسية للجامعة، فإن عليها بالضرورة ان تكون هي الأخرى مستقلة في أدائها وإدارتها ونشاطاتها .. غير تابعة لأية جهة ولا محسوبة على أية فئة.

تصفعنا باستمرار مفارقات تبلغ حد الصدمة حين نرى أساليب العنف التي ينتهجها طلبة الجامعات، وحين نرى ان العنف الذي بدأت تتصاعد وتيرته في الشارع الفلسطيني ينتقل مع الأسف إلى حرم الجامعة التي يجب أن تبقى نظيفة خالية من كل مظاهر العنف،  والتي  تقع على عاتق إدارتها وموظفيها وطلبتها مسؤولية محاربة العنف وانتهاج مبدأ الحوار البناء والإبتعاد عن التعصب والفئوية الضيقة ونفسية القطيع التي تهمش الحرية الفكرية للفرد وتجعله أسيرا لفكر الآخرين.

أياً كانت أسباب العنف، وأياً كانت دوافعه، فإننا ورغم وعينا بالظروف الضاغطة التي يعانيها الطلبةعموماً، يجب أن نرفض هذا السلوك اللامسؤول من طلبة سوف يصبحون قادة المجتمع ورواده.

ولا زال المجتمع الفلسطيني في فترة بناء وتأسيس، ويبقى هدف المؤسسات التربوية تنشئة جيل وعقول علمية موضوعية تلتزم بمعايير المنطق والتفكير السليم. إن الجامعة كمؤسسة تربوية عليا تهدف إلى شيء أعظم من ذلك، هو تخريج صناع للمستقبل، قادرين على التفكير الديموقراطي الحر.

الجامعة ببساطة هي معرض للثقافة والفن والفكر.. وهي ناد العقول الواعية المتحضرة، فهل نسمح لأنفسنا بأن نشوه وجهها الجميل بتحويلها الى مقهى سياسي يختلط فيه الحابل بالنابل؟... في نظام فوضي .. أو فوضى منظمة – لا فرق – تترعرع في مستنقعها طفيليات الهدم والتخلف؟!!

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.