متحف جامعة بيرزيت يفتتح معرض "ترانيم البقاء" للفنان الراحل توفيق عبد العال

افتتح متحف جامعة بيرزيت وكلية الفنون والموسيقى والتصميم في الجامعة، اليوم الإثنين 2 آذار 2020، معرضاً فنياً بعنوان "ترانيم البقاء" للفنان الفلسطيني الراحل توفيق عبد العال، وذلك ضمن برنامج المعارض الفنية في متحف جامعة بيرزيت، بالتعاون مع دار النمر في بيروت، وباب الدير في بيت لحم وبدعم من مؤسسة عبد المحسن القطان عبر منحة مشروع "الفنون البصرية: نماء واستدامة" الممول من السويد.

ويأتي هذا الافتتاح بعد عرضه للمرة الأولى في العام 2018 في دار النمر ببيروت، حيث تلاقت رغبة كل من: رولا دغمان (باب الدير-بيت لحم)، والفنان ناصر سومي (قيم المعرض في نسخته البيروتية) ثم طارق عبد العال (ابن الفنان توفيق عبد العال) ومتحف جامعة بيرزيت، لتنظيم إقامة هذا المعرض في فلسطين، بما يحمله ذلك من معانٍ ويشكله من أهمية في إكمال حلقة تاريخ الحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية. أملاً في أن تكون هذه بدايةً لاستكشاف أعمال فناني جيل ما بعد النكبة، واستهلالاً لفتح الحوار والنقاش في سياق تاريخ الفن الفلسطيني ورواده.

قدّم عبد العال"عكا" بريشته وألوانه، كما تركها وقت النكبة، وكأنها العروس الجميلة الفتية، معتمداً على ذاكرته البصرية ليعيد إحياء مدينته ويجسدها، عنفوانها وكبريائها، مُظهراً جماليةً وحرفيةً تقنيةً عالية. كما يقدم المعرض فيلماً وثائقياً مركباً، يتضمن مشاهد للحياة اليومية في عكا وثلاثة مقابلات قصيرة، الأولى مع ابنه طارق عبد العال، والثانية مع فوزي بعلبكي تلميذه وصديقه، والثالثة مع قيم المعرض في نسخته البيروتية الفنان ناصر سومي. مع عرض لبعض الصور التوثيقية وصور للوحات ومنحوتات، وقراءة لأجزاء من كتابات توفيق وأشعاره.

خلال الافتتاح، أكدّ مدير المتحف د. نظمي الجعبة على أهمية استحضار التجربة الفلسطينية-اللبنانية-العالمية للفنان عبد العال في الأراضي المحتلة الفلسطينية، حيث تعكس أعماله فترة زمنية مهمة في الفن والقضية الفلسطينية للوجود الفلسطيني في لبنان. وأشار إلى أن وجود عبد العال في لبنان في تلك الفترة وتفاعله مع عدد من المثقفين والفنان وأنتج أدباً وفناً ذي نكهة خاصة ومميزة.

وأشار د. نظمي إلى حرص المتحف على تنظيم معارض فنية دورية ذات هدف تربوي قادرة على طرح نقاشات بناءة ومجتمعية، وتسلط الضوء على مدارس فنية مهمة في التاريخ الفلسطيني حول أجيال من رواد أثروا في الفن والنتاج الفكري والتشكيلي الفلسطيني.

بدوره، أوضح صومي، أحد قيمي المعرض وصديق الفنان، أن "ترانيم البقاء" جاء نتيجة لجهود جماعية كانت قادرة على إبراز أعمال توفيق عبد العال، واصفاً أعماله الفنية بالنسيج الفني الغني والقيّم الذي عايش به زمانه. وعن ارتباطه بالقضية الفلسطينية وانعكاس همومها في أعماله قال سومي إن "تورط كثير من الفنانين الفلسطينيين الذين أنتجوا أعمالهم بعد نكبة عام 1948 بإعطاء الأولوية في أعمالهم الفنية لواقع التشرد ولإظهار أشكال المعاناة الفلسطينية، مما أبعد ذلك النوع من الأعمال عن التفاعل فنياً مع زمنها الذي أنتجت به. لم يبتعد توفيق في أعماله الموقعة عام 1966 عن الموضوع الفلسطيني ولكنه تناوله من موقع ارتباطه الشخصي بما يتململ في روحه وفي كيانه، تناوله من تجربته المريرة في الإبعاد وفي الإقصاء القسري الدائم، وتناوله كذلك من جرحه النازف الذي لا يبرأ. ليس هذا فقط، بل أنه انهمك وغاص في لجة فن أهل عصره أينما كانوا. تزامن اقترابه من التجارب الفنية المعاصرة مع رغبته الجامحة في تسطير حلمه الأثير عن مدينته وكنة شغفه، عكا. تلك الجرأة النادرة هي التي جعلت من تلك الأعمال فصلاً تاريخياً في الإبداع الفلسطيني المنتمي إلى عصره."

أما دغمان، قيمة المعرض، فأشارت إلى أن "ترانيم البقاء" يعطي معلومات مهمة جداً للفترة التي يحاكيها الفنان عبد العال في إنتاجه الفني، ما من شأنه أن يفتح حواراً حول مدرسة فنية ذات زخم فني مرتبط بالسياق السياسي الفلسطيني في ذلك الوقت.

يضم المعرض مجموعة كبيرة من أعمال توفيق عبد العال، بعضها أعمال أصلية تم نقلها من لبنان وأخرى أعيد إنتاجها كنسخ من أعماله الأصلية كبيرة الحجم، وذلك بسبب صعوبة نقلها إلى فلسطين خوفاً عليها من أي إجراءات غير متوقعة قد تتعرض لها من قبل سلطات الاحتلالقدم الفنان توفيق عبد العال (عكا 1938) خلال مسيرته الفنية الحافلة والطويلة العديد من الأعمال الزيتية والمائية والأكريلك ورسوم الحبر على ورق، إضافة إلى تجربةٍ خاصةٍ وغنية في النحت. تنوعت مواضيعها وأساليبها وظلت دوماً تحاكي عشقه لمدينته عكا التي غادرها قسراً عام 1948 ليستقر في لبنان.

شارك عبد العال في العديد من المعارض الإقليمية في بيروت وبغداد ودمشق وطرابلس الغرب، كما في دول أخرى، مثل تركيا وفرنسا وسويسرا ويوغسلافيا والبرتغال. وشارك أيضاً في جميع المعارض التي أقامها الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين الذي كان أحد مؤسسيه، كما كان له مساهمات تعبويه هامة من خلال انخراطه في الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث قام بتصميم الكثير من الملصقات والرسوم التوضيحية في الصحف والمجلات التي كانت تصدر في حينها عن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والتي كان عضواً فاعلاً فيها.

وبعد رحيله تعود أعماله إلى فلسطين لتكون الشاهد على الزمان والتهجير والتشريد والمنع والحواجز، وبهذه المناسبة الاستثنائية يهدي طارق توفيق عبد العال أعمال والده لمجموعة المقتنيات الفنية في متحف جامعة بيرزيت إيماناً منه بضرورة وجودها في الجامعة لتظل متاحة لجمهور المهتمين من الطلبة والأساتذة والدارسين، ولتبقى حاضرة في وجدان الأجيال القادمة، ولتبقى عكا صورة حية وخالدة لمعالم مدينة عريقة، غير الاحتلال ملامحها المعمارية والثقافية مع مرور الزمن، لكنها ستظل باقية إلى الأبد كما رآها وعبر عنها ابنها توفيق عبد العال.

يفتح المعرض أبوابه يومياً من تاريخ 2 آذار - 30 حزيران 2020، ما بين الساعة العاشرة صباحاً الى الثالثة عصراً.