"مهندسات العودة" تصممن مشروعا معماريا يحاكي العودة إلى قرية لفتا المهجرة

لم تعلم طالبات الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت جميلة عابد، وأريج خلف وكفاح أبو شرار، أن حلم العودة الذي رافق الحاجة فاطمة (90 عاماً) من قرية لفتا المهجرة عام 1948، سيكون السطر الأخير لحكاية هذه الحاجة، وبداية لمشروع مميز يحاكي حلم العودة.

 الحاجة فاطمة رحلت بعد 36 ساعة من اجراء الطالبات الثلاث مقابلة معها، تحدثت لساعات خلالها عن قريتها الوادعة، وصوت مياه نبع القرية الذي لم يفارق صوته أذنها منذ 71 عاما، ومدرسة القرية الصغيرة، وجامعها وناديها، ومقامها وخانها ومعصرة زيتونها، وبيوتها العتيقة المطلة على مركز المدينة المقدسة، وثمار أشجارها ورائحة أعشابها البرية.

ولم تغب عن الحاجة فاطمة ما تعرضت له وأهالي قريتها من تهجير بشكل قسري وجماعي عام 1948، حيث طردوا من أراضيهم وبيوتهم، وعانوا من التشرد والنزوح واللجوء، هذا بالإضافة إلى وفاة طفلتها أثناء التهجير.

وانطلاقاً من هنا كان العمل على إعادة الذاكرة المكانية؛ حيث شهدت جامعة بيرزيت مشروع تخرج لطالبات من الهندسة المعمارية يحمل عنوان: "إعادة إحياء قرية لفتا المهجّرة كنموذج للعودة"، واستمر العمل على المشروع لعام كامل، بإشراف أستاذ الهندسة المعمارية د. محمد عبد الهادي جوابرة، حيث لم تكن قرية لفتا للطالبات مجرد مشروع تخرج فقط، بل حياة عاشوا كل تفاصيلها، وعززت معرفتهم على الصعيدين الشخصي والأكاديمي.

حول بداية وفكرة المشروع تقول جميلة عابد، "قمنا بالعمل على قائمة من القرى الفلسطينية المهجرة، وخلال العمل وقع الاختيار على قرية لفتا لعدة أسباب، منها أن قرية لفتا من القرى التي ما زالت تحافظ فيزيائيا على شكل وتفاصيل مبانيها من كل الجوانب، وكل هذه التفاصيل الموجودة شكلت عبر الزمان محطة جذب للزوار والسائحين، وجعلت منها منطقة صراع مع الاحتلال من قبل الأهالي الذين واصلوا رفع القضايا ضد تهويد هذه القرية، إضافة إلى أهمية القرية والتي تشكل البوابة الغربية للقدس، فهي بذلك كانت تعتبر نقطة حساسة للقرى المجاورة لها وللاحتلال، بسبب موقعها، ومن القرى التي كانت تتوسطها، دير ياسين وقالونيا وعين كارم.

وتضيف جميلة: "ضمن تخيلات العودة وحسابات التخطيط المستقبلي المناسبة لاستيعاب أعداد اللاجئين والتعامل مع خصوصية خصائص القرية، سكانها موقعها وطبيعتها الجغرافية، وبما يتضمن حفظ الهوية التاريخية للقرية الفلسطينية الريفية. عمل المشروع على محاولة لإرجاع الحياة للقرية بكل مناحي الحياة، وليس فقط من الجانب المعماري، بحيث تم دراسة عودة أهالي قرية لفتا إلى قريتهم بعد تهجيرهم منها، مع بقاء الحدث التاريخي للتهجير واضحا."

وأكدت أريج خلف، أن أهمية المشروع تأتي على المستوى الوطني، بأنه قدم نموذجا من حالة التأمل وذلك بتصور عودة اللاجئين لقراهم، حيث يوجد حاليا حوالي 42 ألف لاجئ من قرية لفتا في أماكن مختلفة حول العالم، وكان الهدف الأهم في المشروع هو مراعاة راحة اللاجئين عند عودتهم، بأن يجدوا هوية فلسطينية أصيلة وتستطيع في نفس الوقت تلبية احتياجات الحياة الجديدة، وجاء المشروع أيضا ليوثق ويؤرخ هذه القرية تاريخيا، من خلال التاريخ الشفوي الذي تم اعتماده من ضمن منهجية البحث.

أما الأهمية الثالثة للمشروع، فتقول أريج، أنها تأتي من الايمان بعمق قضية اللاجئين، فليس من الضروري أن تكون لاجئا لكي تدافع عن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم، بل هو الايمان أن الاحتلال الإسرائيلي هو عدو الفلسطيني أينما وجد، فنحن الثلاث ننحدر من مدن الخليل، ورام الله، وجنين، ولسنا لاجئين أو من القدس، لكن قضية اللجوء أعمق من توزيعنا الجغرافي.

وحول العقبات التي واجهت الطالبات، تقول كفاح أبو شرار "كوننا لسنا من منطقة القدس واجهنا الكثير من العقبات خلال العمل على مشروعنا، فكان يصعب علينا زيارة قرية لفتا، حيث كنا نؤمن تصاريح الزيارة بصعوبة جدا، عبر شركات سياحية، ولا يسمح لنا برؤية أو طلب وثائق من بلدية القدس، او المراكز البحثية هناك، بسبب عدم حملنا للهوية المقدسية، كما ويخفي المخططات القديمة التي تخص قرية لفتا بشكل كامل، لأنها تتعارض مع سياسته وما ينشره بأنها أرض بلا شعب."

وأضافت كفاح، "أنه من خلال تخصصنا في الهندسة المعمارية، حاولنا قدر المستطاع أن نعمل على تخطيط إقليمي ومحلي للقرية، بحيث قمنا بأخذ المخططات القديمة للقرية، وعملنا على إعادة إحياء هذه البيوت والمباني ببرامج عمرانية جديدة، تبقى محافظة على الهوية الريفية للقرية، وللحدث التاريخي لهجرة أهالي لفتا من قريتهم، فكانت هناك بعض المباني المهدوم سقفها، قمنا بترك السقف كما هو وعملنا على تغطية المكان بطريقة تحاكي الحدث الداخلي الذي كان موجودا.

وحول تقديم الدعم للمشروع، تقول الطالبات أن جمعية لفتا الخيرية لم تبخل بالدعم بالوثائق والمعلومات المتاحة، وسهلت وصولهم لأهالي القرية الذين عاشوا بها وعاشت بذاكرتهم طوال الأعوام الماضية، إضافة إلى أستاذ العلوم السياسية د. سميح حمودة، والذي رحل قبل أن يشاركهم الفرحة بمشروع تخرجهم، والذي مدهم بمعلومات وتوثيق شفوي لعدد من أهالي القرية، والتي ينحدر منها حمودة. إضافة إلى أستاذ التاريخ د. نظمي الجعبة والذي لم يبخل عنهم بكل معلومة تاريخية عن أهمية القرية وأهميتها التاريخية وارتباطها بالمدينة المقدسة.