تسليم مفاتيح السلطة للأمم المتحدة

ليس من مسوغ للتلويح بإمكانية تدارس إمكانية تسليم مفاتيح السلطة لإسرائيل- البلد المحتل، فهذا يعني إقرارا بالاحتلال. وحيث أن دولة الاحتلال أصلا تأسست، وظهرت للوجود بقرار دولي من الأمم المتحدة، وساهمت هذه المنظمة الدولية، والتي لحينه تعتبر حاملة وحامية للشرعة الدولية ومعبرا عما يسمى بالضمير العالمي، ساهمت في الحفاظ على عضوية إسرائيل الكاملة فيها، ورغم تراجعها في عقد التسعينات من القرن الماضي عن اعتبار الصهيونية عنصرية بفضل استثمار الجميع في المفاوضات المستدامة، والتي حذر كثيرون في حينه من أن مسار أوسلو لن ينتج دولة بل تأبيدا للاحتلال والمفاوضات.

لقد تزامن أوسلو بتحول جذري في النظام الدولي من ثنائي القطبية إلى أحادي، هيمنة أمريكا فيه لا ريب فيها، ولكن التغيرات الدولية والإقليمية في العقد الأخير تشير إلى تراجع في الهيمنة الأمريكية وإلى احتمالات نشوء أقطاب عدة.

وحيث أن قيادة منظمة التحرير ما زالت مصرة على مسار عدم قطع شعرة معاوية مع المفاوضات بالتوازي ومسار تحصيل اعتراف دولي بأننا دولة تحت الاحتلال، وبجمع المسارين، وحتى لو حصلنا على هكذا اعتراف فإنه سيبقي المطلوب هو استمرار المفاوضات الثنائية، وإن تغير راعيها، من الأمريكي إلى الرباعية أو حتى إلى راع عربي، استمرار لحين اتفاق الطرفين على القدس واللاجئين والحدود ...الخ. أي أن مسار المفاوضات المستدامة أداة لإدارة الصراع بدل حله سيبقى هو الطريق المجرب والذي سيبقينا في ذات الدائرة أو الصندوق، المعتقل.

إن تفكيرا خارج الصندوق يقتضي أولا العمل بما ترسخ في الحكمة الشعبية – اللي بجرب المجرب عقله مخرب- يقتضي الخروج من الانفعال إلى الفعل، من انتظار صفقة العمر أو ما ستؤول إليه التحقيقات الخاصة بطاقم ترامب أو نتنياهو أو نتيجة انتخابات مبكرة هنا أو هناك أو تطبيق لمهارات المفاوضات المستدامة على ذاتنا الفلسطينية حول الانقسام أو ما بعد المصالحة برعاية الأشقاء جميعا.

إن الفعل الممكن ليس فقط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بل لخلق زخم قادر على استثمار خطيئة ترامب، وبرؤية للمتغيرات الدولية والإقليمية واتكاء على الذات الفلسطينية الصابرة والقادرة الفاعلة هو العودة عن اعتراف المنظمة بإسرائيل، وإعادة الموضوع برمته للأمم المتحدة التي اعترفت بإسرائيل وفلسطين معا، وحالة استقلال كوسوفو سابقة تحققت عندما تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، وأرغم الصرب على ما أراد.

أعلنت الأمم المتحدة رغبتها في رعاية المفاوضات المباشرة الإسرائيلية- الفلسطينية دون استبدال دور الرباعية والتفافا على حملة التشكيك بالراعي الأمريكي، والرد يكون بأن تفاوض هي، فحجة الجميع المعترضين على قرار ترامب هو أن قراره يستبق النتائج وأنه مخالف لما استقر عليه القانون الدولي والمجتمع الدولي بجل عناصره.

إن تسليم مفاتيح السلطة للأمم المتحدة ليس تلويحا او كمسألة دراسة وبحث كفيل بأن يضع المجتمع الدولي أمام احترامه والتزامه بما استقرت عليه قرارته نفسه ليقم بالتالي بإنفاذها وبما يشبه حالة كوسوفو.

إن ضغطا فلسطينيا بهذا الاتجاه كفيل بالإجابة على تساؤلات من نوع: ما البديل لحل السلطة؟ ما مصير عشرات الألوف من الموظفين؟ كل ذلك سيكون من مسؤولية منظمة الأمم المتحدة، بما يشبه وكالة الغوث والتي عمرها أكبر من عمر السلطة، وإن كانت الوكالة لم تحل قضية اللاجئين إلا أنها لم تنهيها، فلم يتكيف اللاجئون ويتنازلوا عن حق العودة، كما لم يتنازل شعب كوسوفو عن حق تقرير مصيره رغم الإدارة الدولية، بل وحقق استقلاله.

إن منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثل الشعب الفلسطيني (بشكلها الحالي أو القادم– بشمولها لكافة قوى الشعب الوطنية) مسؤولة عن المضي بهذا الاتجاه ولتسلم المفاتيح فقط للأمم المتحدة وحنى لا يتلقفها نتنياهو أو أي من أصدقائه من بني جلدتنا.