استبداد التكنو..!!

في العادة تتميز الدول غير المتقدمة بنزعة البحث عن الخبراء في حل أزماتها، خاصة بعد طول مدة فشل النخبة السياسية في تجاوز تلك الأزمات، أو في دورها بتعزيزها وخلقها، وهذه النزعة تعززت في فلسطين، أو عززت من قبل عدة أطراف، حتى اقتنعت فيها النخب السياسية والقوى السياسية التي توافقت على أن تشكل حكومة خبراء في المرحلة الانتقالية كمرحلة من مراحل المصالحة، أضيف عليها الاستقلالية والتي تعاني من إشكالية أكثر من توافقنا على المعنى الحقيقي للخبراء. وهاكم الخبراء فشلوا أيضا في تجاوز الأزمات، بل يستطيع البعض أن يدعي أنهم أضافوا للازمات أزمة جديدة تتمثل في عجزهم بالدرجة الأولى، انفصامهم ثانيا عن الواقع المعاش، واستبدادهم الناتج عما سبق، خاصة إذا ما اسقطوا تجاربهم المحلية والخاصة بمواقعهم السابقة على العمل العام. ويستطيع المراقب أن يدعي أن فشل السياسين والنخب السياسية والقوى السياسية المهيمنة على الواقع العام الفلسطيني، ارحم من الخبراء، كونهم أولا أكثر اطلاعا على الواقع وتطوراته التاريخية، وخبرتهم أو دهائهم في التعامل مع المطالب، وكذلك أزماتهم يمكن تجاوزها من خلال نخب سياسية أخرى تتجاوب أكثر مع الاحتياجات والمطالب إذا ما أتيحت الفرصة لمحاسبتهم انتخابيا. أما الخبراء فقد خسروا المعركة، واثبتوا صحة ادعاء السياسين أنهم أسرى واقع مغلق ومختلف، ونظريات لا تستطيع أن تحل متطلبات المواطنين، وخروجهم من معاقلهم أو عروشهم لن يجدي نفعا، ومن المفضل أن يتحمل المواطن الآثار المترتبة عن ادارة السياسيين، حتى لا تكون همومهم ومطالبهم بين أيدي الخبراء الذين لا يخضعوا لأدوات المسائلة التي يخضع لها السياسي. والواقع أن خبرائنا الذين اختارتهم النخبة السياسية فشلوا فشلا ذريعا، وحققوا مبتغى السياسين وبفترة زمنية قياسية، وفقدوا الإمكانية ليكونوا خيارا أمام المواطن لإدارة شؤونه العامة، واسقطوا من اعتباراته مستقبلا أنفسهم ونظرائهم كخيارات واقعية وعقلانية لإدارة الشأن العام الفلسطيني. فلماذا فشل التكنو...؟ أولا: انهم خيار السياسين الذين أجادوا في اختيارهم لتحقيق غاياتهم الحقيقية، خاصة أنهم من حملة الدرجات العليا، وبتخصصات متنوعة، لكنهم على قد اليد، مجتمعيا وسياسيا وفي العمل العام. ثانيا: وخيار السياسين مصلحيا يجب ان لا يكون الخبراء أكثر قدرة وكفاءة منهم، خاصة إذا من تمايزت الخبرة المكتسبة ما بينهم وبين الخبراء الذين يفتقدوا للحد الأدنى من الخبرة في العمل العام أو التفاعل مع الشأن العام الفلسطيني، باستثناء الواجبات الاجتماعية التقليدية التي يعتبرها البعض من الخبرات اللازمة ومتطلبات الوظيفة العامة. ثالثا: خبراء دون خبرة، خاصة إذا ما اقترنت صفة الخبرة بالاستقلالية، والاستقلالية عرفها البعض بأنها عدم ممارسة النشاط السياسي بمختلف مستوياته حتى على مستوى المدرسة أو الجامعة أو النادي، فالاستقلالية أصبحت في واقعنا الفلسطيني تساوي النزاهة والشفافية والكفاءة، وكأن غيرهم يفتقدها لكونه مارس النشاط النقابي والاجتماعي والرياضي وحتى السياسي. رابعا: فشل التكنو...، لأنهم غير خبراء، وغير مستقلين في مواقعهم وقراراتهم، وفشلوا لاعتقاد البعض منهم أن إدارة الشأن العام اقل أهمية وصعوبة من إدارة قسم أكاديمي، أو فرع للبنك الدولي، خاصة إذا ما كان احتلالهم للمواقع التي حازوا عليها لاعتبارات غير مرتبطة بالأمر وحقيقته، وعوامل وتفاعل الواقع الفلسطيني. خامسا: فشل ...، عندما استبدوا بالسلطة والنفوذ المخول لهم بمرحلة محددة، واستقوا بذلك على بنى مجتمعية وتشكيلات نقابية لها ما لها وعليها ما عليها، مستفيدين من غياب السلطات التمثيلية الشرعية والقانونية، واستفراد السلطة التنفيذية وغياب الاستقلالية للقضاء، والسلطة الرابعة والمجتمع المدني، ودعاة حقوق الانسان والنقابات والهيئات في سبات عميق. سادسا: فشل...، عندما سمحوا لمجند بالتعدي على معلم، وسمحوا لتلميذ سابق باستجواب معلم، وسمحوا، بل طالبوا بما كانت ...، تواجه به مطالب معلمينا، ونسي التكنو... انهم قد يكونوا يوما ما أمام الحالة نفسها عندما يعدوا حيثما كانوا بعد استنفاذ السياسين منهم وتحقيق أغراضهم. لم يفشل الخبراء في فلسطين، بل فشل التكنو... الذي اختير بعناية، ومارس دون دراية وخبرة أو استشارة، فشلوا لأنهم بقراراتهم وممارساتهم فرقوا ولم يجمعوا، استبعدوا ولم يقربوا، نفروا ولم يعززوا، مكانة ودور الكفاءات في وطننا، بل استفردوا، واستبدوا واستبدلوا وتجاوزا، وأقصوا، وكأنهم خير خلف لخير سلف في ذلك، مع الاحترام والتقدير لمعلمينا والاعتذار لهم حتى وأن اختلف في خطواتهم. وعلى القضاة أن يعلموا انهم حماة وطن ومجتمع، وهم مكلفين بالحد من استبداد السلطات، والسلطة والنفوذ حتى وإن كانت تتعارض مع القوانين والقرارات التي شرعنتها السلطة التنفيذية في ظل غياب السلطة التشريعية، والمعلم في فلسطين هو المعلم الأول.