جامعة بيزيت تعقد اليوم الثاني من جلسات مؤتمر الحكم والنوع الاجتماعي في عصر الإمبراطورية: مراجعة نظرية

بدأت فعاليات اليوم الثاني اليوم الخميس في 17 آذار 2011 بالجلسة الرابعة تحت عنوان النوع الاجتماعي والحكم: مقاومة أم تأمين المحتل؟ حيث قدمت مدخل إلى الموضوع وتعريف بالمتحدثين الزميلة في مركز دراسات التنمية : أ.ليندا طبر وكانت المداخلى لارئيسية تحت عنوان المجتمع المدني الفلسطيني: منظومة بديلة للحكم؟ قدمها الأستاذ المحاضر في جامعة بيرزيت  أ.علاء العزة،  فبدأ مداخلته منطلقاً من فكرة عدم الحاجة للربط ما بين الدولة بمفهومها السائد حالياً والمجتمع، وضرورة تفكيك مفهوم الدولة على المستوى المعرفي، كما على مستوى الممارسة الاجتماعية؛ فقد تجربة الانتفاضة الأولى، وغيرها من التجارب، أثبتت  إمكانية المجتمع الفلسطيني على إدارة أموره دون الاعتماد على دولة الاحتلال أو على أي بُنية دولاتية.  ورأى العزة أن هنالك ضرورة لتفكيك مفهوم المجتمع المدني والخروج من شروط النموذج الدولاتي في الخطاب والممارسة السياسية الفلسطينية، وذلك بالعمل على المستوى المحلي (لفشل المشاريع الكبرى) وإعادة الاعتبار لمفاهيم التطوع والعطاء والمساواة في القرار الاجتماعي. ويقترح أ. العزّة تنحية مفاهيم عقلانية السوق وتبنّي خطاباً أخلاقياً ثورياً للممارسة واستثمار قوة الخيال الذي لا يعني الوهم وإنما تخيّل عالم آخر يمكن للأفراد أن يكون لهم دورٌ في بنائه العودة للمشروع الوطني الفلسطيني. 

وتحدثت في هذا الجلسة مديرة المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق أ.زهيرة كمال: انطلاقاً من تجربتها الذاتية في تعميم منظور النوع الاجتماعي، تناولت أ. زهيرة كمال تجربة النساء الفلسطينيات ضمن مؤسسات الحكم مشيرة في البداية إلى الصعوبات التي رافقت بداية عملها في مجال النوع الاجتماعي في الوظيفة الحكومية في النصف الثاني من عام 1995. حيث عينت في وزارة التخطيط والتعاون الدولي كما رافقتها هذه الصعوبات خلال نشاطها في المنظمات الأهلية أو في الوظيفة الحكومية. واحدة من الصعاب كانت عدم شيوع بعض المصطلحات من قبيل الحكم والنوع الاجتماعي  واتهام النساء الداعيات إلى ضرورة تعميم النوع الاجتماعي بأنهن متغربنات "نسبة إلى الغرب" أو أنهن خاضعات لسياسات ممول أجنبي. وأشارت أ.كمال إلى أن تجربتها الجماهيرية في العمل النسوي وخبرتها المهنية في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، حيث أسست وحدة المرأة في التنمية، قد رسّخا قناعتها بأن تعميم النوع الاجتماعي في عمل الحكومة يهدف إلى تحقيق تكافؤ في الفرص بين الرجال والنساء في المجتمع في مختلف مجالات الحياة بما يمكن من إعادة التوازن لعلاقات القوة بينهما في المجتمع، وما يتطلبه ذلك من سن قوانين جديدة أو تعديل تلك القائمة، وتصميم البرامج والمشاريع التي تأخذ بالاعتبار احتياجات كل من الرجل والمرأة ومشاركتهما في مختلف مراحل التخطيط واستفادتهما من عائدات هذه البرامج والمشاريع. واعتبرت أ.كمال أن تجربتها كوزيرة لشؤون المرأة نوفمبر 2003، كانت فرصة لها لوضع تجربتها العملية التي اكتسبتها في وزارة التخطيط وتطوير معرفتها النظرية في مجال النوع الاجتماعي والتنمية محل التطبيق. وعرضت رؤيتها لما تم العمل عليه من أجل ضمان تحقيق العدالة وعدم التمييز بين الرجل والمرأة وتحقيق درجة تنافسية مع آليات النهوض بالمرأة على المستوى الإقليمي سواءً من خلال وزارة شؤون المرأة أو المؤسسات النسوية.

وقدمت  أ. بني جونسون الباحثة في معهد دراسات المرأة  ورقة عمل  حول البحث عن الاجتماعي: الأسرى والفقراء في العقد الاجتماعي المستجدّ في الواقع الفلسطيني، حيث أشارت في بداية ورقتها إلى أنها ومن خلال حدثين غير مترابطين في الظاهر - أحدهما مأساوي والآخر بيروقراطي- ستبحث في ما يربطهما بما سمّته "البحث عن الاجتماعي" حيث يرتبط أحد الحدثين بمحنة الفلسطينيين من المعتقلين السابقين والآخر بشبكة الأمان الاجتماعي الفلسطيني . ويدلّ الحدثان على أن الحكومة الفلسطينية تبتعد أكثر وأكثر عن تأمين الدعم والمساندة لمواطنيها وتحديداً المعتقلين السياسيين والفقراء.  اعتمدت أ.بني في ورقتها على ركيزة أساسية وهي إعادة تشكيل مفهوم العقد الاجتماعي الفلسطيني، كمفهوم متخيَّل وذي قوة مؤثرة حيث يتوافق السكان على النظام السياسي مقابل حماية الدولة وتقديم الخدمات لهم. واستنتجت جونسون في ختام ورقتها أن السلطة الفلسطينية تبدو عاجزة عن التوسط لدى إسرائيل لمصلحة الأسرى الفلسطينيين في القضايا الأكثر إلحاحاً بالنسبة لهم مثل العلاج الطبي وزيارات الأهل والأقارب، التعذيب وسوء المعاملة أو "الحرية". وأشارت إلى أن المؤسسات التي يفترض بها أن تكون مسؤولة عن المعتقلين السياسيين وعن عائلاتهم، سواءً كأشخاص محميين تحت الاحتلال، أو كمستعمَرين يتوجب على المستعمِر أن يتعامل معهم بحسب القانون الدولي أو كلاجئين يحصلون على الدعم من الأنروا أو كـ"مواطنين" لدى السلطة الفلسطينية؛ جميع هذه المؤسسات هي إما غير مسؤولة أو غير قابلة للرد على انتهاكات إسرائيل تجاه الفلسطينيين. وفي الختام أكدت جونسون على أن أي عقد إجتماعي لا يتعامل مع  هذا الواقع بشكل مسؤول لن يكون كافياً لربط هؤلاء الناس بالدولة الناشئة أو الدولة الناشئة بالتزاماتها.

أما الجلسة الخامسة فقد  تضمّنت شهاداتٍ حيّة حول استراتيجيات الحياة والبقاء والمقاومة من سيدات فلسطينيات يعشن في حي الشيخ الجراح في القدس، اللواتي تحدّثن عن المعاناة التي مررن بها جرّاء مضايقات المستوطنين لهم والاستيلاء على  بيوتهن وطردهن هنّ وعائلاتهن. وتحدثت النساء الأربعة عن الممارسات التي يقوم بها المستوطنون ضد عائلاتهن بالتواطؤ مع شرطة الاحتلال وجنوده وحمايتهم. وأبدت النسوة في شهاداتهن قوة وشجاعة وإصراراً كبيراً على رفض هذا الواقع وعدم الرضوخ لممارساته الهمجية والعزم على الصمود والمواجهة . في ختام الجلسة تمّ تكريم السيدات المقدسيات القادمات من حي الشيخ جرّاح وقدّمت لهنّ د.إصلاح جاد، مديرة معهد دراسات المرأة ، دروع التقدير والاعتزاز بشجاعتهن.

ودار نقاش عام في الجلسة السادسة والأخيرة حول الحكم من أجل التحرر، الاعتماد على الذات والعدالة للنوع الاجتماعي قدّمت له أ.لينا ميعاري وهي عضوة هيئة تدريس في معهد دراسات المرأة  مشيرةً في البداية على ضرورة الوقوف عند كل عنصر من عناصر الحكم وسلّطت الضوء على أهم القضايا التي ناقشها المتحدثون خلال جلسات المؤتمر  وركّزت على مُخرَجات هذه المداخلات والنقاشات التي دارت حول هذه الموضوعات ، مؤطِّرةً إياها . وأثارت ميعاري بعض القضايا التي تربط بين جزء كبير من المداخلات طارحةً سؤالاً حول إمكانية جسر الفجوة ما بين ما يُسمّى بالمشروع الفلسطيني، (بما يعنيه من بناء مؤسسات الدولة)، وما سمعناه من شهاداتٍ من نساء "الشيخ جرّاح" التي تعكس مستويين: مستوى التعرّض لممارسات الاحتلال ومستوى المقاومة القادم من واقع المعاناة. كما أكّدت ميعاري على ضرورة تفكيك للعديد من المفاهيم التي  أصبحت جزءاً من الخطاب المهيمِن في الواقع الفلسطيني (مثل خطاب التنمية الذي بات جزءاً من خطاب الهيمنة في الدولة المعاصرة وأداة من أدوات السيطرة على حيات الناس ومصائرهم). كما ركّزت ميعاري على ضرورة إعادة التفكير في أشكال أنظمة الحكم وعلاقتها بتشكيل ذواتٍ محدَّدة معتبرةً أنه لا يمكن التحرر من دون تحرير الذات المستعمَرة(بفتح الميم) والمقموعة. وأنهت ميعاري الجلسة بالقول بضرورة المقاومة كمشروع حياة.