افتتاح فعاليات المؤتمر الدولي "التنمية المستدامة في ظل الأزمات والصراعات"

افتتحت دائرة الإدارة العامة في جامعة بيرزيت، اليوم الثلاثاء 23 نيسان 2019، فعاليات المؤتمر الدولي الثاني "التنمية المستدامة في ظل الأزمات والصراعات" تحت شعار "حتى لا ننسى أحدا".

وينظم المؤتمر على مدار يومين بالشراكة مع الفريق الوطني للتنمية المستدامة في مكتب رئيس الوزراء، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP/PAPP)، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "اسكوا"، وبرنامج الأمم المتحدة (الموئل) لمستقبل حضري أفضل (UN-HABITAT)، وبمشاركة خبراء ومتحدثين محليين ودوليين.

افتتح المؤتمر رئيس جامعة بيرزيت د. عبد اللطيف أبو حجلة قائلاً: "إن احتضان جامعة بيرزيت لهذا المؤتمر يأتي إدراكا منها لحساسية عنوانه، فموقع فلسطين الذي يتوسط الشرق الأوسط، والواقعة تحت أطول احتلال عبر التاريخ، جعلها جزءا من هذه الأزمات والصراعات المتتالية والمتعاقبة، بل وأكثرها تعقيدا وتأثيرا على الصعيدين الإقليمي والدولي".

وأضاف، "لا يخفى عليكم الدور الصعب الذي تلعبه الجامعات بشكل عام، وجامعاتنا الفلسطينية بوجه خاص، في تعزيز جهود التنمية، وفي وضع ركائز ولبنات الدولة الفلسطينية، على الرغم من التحديات التي تواجهها يوميا، من خلال رفد مؤسسات القطاع العام والأهلي والخاص، بالكفاءات والتخصصات والمهارات المطلوبة لتحقيق ذلك على أعلى مستوى، إضافة إلى بناء الشراكات مع المؤسسات المحلية والعربية والدولية، وذلك كجزء أساسي من مسؤولياتِها التنموية والأخلاقية والتعليمية المستمرة".

وتابع أبو حجلة: "هذا المؤتمر، يعدّ استكمالا لما قامت به جامعة بيرزيت من مؤتمرات وورشات عمل على المستويين المحلي والدولي، وتمهيدا لمزيد من النشاطات المتنوعة التي ستخدم بالتأكيد فكرة الاستدامة في التنمية على أرض الواقع".

وأوضح أن "الصعوبات والتحديات والأزمات والصراعات التي تمرّ بها كلّ شرائح الشعب الفلسطيني لا تنتهي، وهذا يحتم علينا البحث في كافة الطرق والوسائل الممكنة لإيجاد حلٍّ دائمٍ وقابل للاستمرارية، بحيث لا يتمّ التعامل مع هذه القضايا من خلال إيجادِ الحلولِ المؤقتة".

ولفت أبو حجلة إلى أنه "لا يمكن تحقيق ذلك إلا بالتعاون مع كافة الشركاء المحليين والدوليين، فرسالتنا يجب ألا تقف على مرحلةٍ معينة، بل لا بد من أن تصل رسالتنا لكلّ العالم، بأن أرض فلسطين حقاً تستحقّ الحياة، ومن يستحقّ الحياة، يستحقّ أن يعيشها باحترام وكرامة وبحرية".

 من جهته قال وزير الحكم المحلي مجدي الصالح، خلال مشاركته في الجلسة الافتتاحية ممثلا عن رئيس الوزراء محمد اشتية: "إننا نرفض تسييس المساعدات التنموية والإنسانية وتوظيفها كوسيلة للابتزاز السياسي من قبل الولايات المتحدة الأميركية وقطعها للدعم المقدم للأونروا، يمثل انتهاكا لقرارات الشرعية الدولية، وتجاوزا لاتفاقات مؤتمرات تمويل التنمية السابقة"، مؤكدا ضرورة وأهمية استمرار المساعدات التنموية الرسمية، والالتزام بمبادئ تقديمها لا سيما احترام الأولويات الوطنية منها.

وتابع الصالح: "إن استمرار الاحتلال في سيطرته على الموارد الطبيعية للشعب الفلسطيني، وممارسته لقرصنة وسرقة أمواله، يحول دون القدرة من الاستفادة من هذه الموارد وتوظيفها من أجل التنمية، وهي تحديات تضاف للتحديات القائمة على مستوى تمويل التنمية المستدامة في فلسطين".

وأشار إلى أن الظروف السياسية المحدقة بالقضية الفلسطينية، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وسيطرته وسلبه لموارد ومقدرات شعبنا الفلسطيني، وإمعانه في تنفيذ سياسات الضم والتوسع الاستيطاني، وحصاره لقطاع غزة لما يزيد عن 12 عاما، كلها ظروف ألقت بظلالها على مسيرة التنمية وجهودها في فلسطين، وقوضت من الإنجازات التنموية المتحققة، لتطفئ كل شعاع أمل لشعبنا في الحرية والاستقلال وفي حياة كريمة.  

وقال الصالح: لقد اتخذت خطة التنمية المستدامة "حتى لا ننسى أحدا" شعارا لها، وإن تجسيد هذا الشعار في فلسطين لا يمكن تحقيقه دون تمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير، وتجسيد دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على أرضه وحدوده وموارده، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده، فلا يمكن لدولة تعيش تحت الاحتلال، سيادتها منقوصة، ومواردها ومقدراتها مسلوبة أن تحقق تنمية مستدامة.

وأكد الصالح أن الحكومة الحالية "حكومة الكل الفلسطيني" ستعمل وبكل الوسائل والإمكانات المتاحة على إنهاء حالة الانقسام البغيض واستعادة الوحدة الوطنية وإعادة غزة إلى حضن الشرعية، وستتخذ كل الإجراءات اللازمة لإجراء الانتخابات التشريعية في المحافظات الجنوبية والشمالية بما فيها القدس الشرقية.

من جهته، هنأ نائب الممثل الخاص لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي جيف بريويت الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة الدكتور محمد اشتية، مشيراً إلى أن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون هائلة ومتنامية، معرباً عن ثقته بأن الحكومة الجديدة ستواصل طموحاتها نحو الحرية والتنمية.

وأشار إلى أن أكثر من 1.4 مليار شخص يعيشون في مناطق تتأثر من الصراعات والعنف والتهميش، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 1.9 مليار بحلول عام 2030 ما لم تتراجع المؤشرات الحالية، موضحاً أن الخبراء يقدّرون أن تكلفة أي صراع تبلغ 13 تريليون دولار أمريكي سنويًا بنسبة 13? من الناتج المحلي الإجمالي في العالم.

وقال بريويت: "التكلفة المادية لا تعني شيئاً أمام معاناة الإنسان جراء الصراعات، وهذا ما يحدث في فلسطين واليمن وسوريا وغيرها من المناطق في العالم".

وتابع: "مع أجندة عام 2030 وأهدافها العالمية ال17 لتحقيق التنمية المستدامة، هناك فرصة غير مسبوقة لتحفيز السلام والازدهار على مستوى العالم، مع أولوية تحقيق الحكم الديمقراطي والرشيد، والعالم لا يجب أن يبقى صامتاً وهناك أناس يسعون من أجل الحرية والكرامة، وتوفير خدمات أفضل هو حق من حقوق الإنسان الأساسية وليس عملاً خيرياً لمن يحتاجها".

وأكد بريويت أنه "ليس مقبولاً أن يستمر الركود في مستوى المعيشة للفلسطينيين، في ظل تراجع المساعدات الدولية"، مشيراً إلى أن معدل البطالة وصل إلى أكثر من 30%، كأعلى معدل في العقدين الأخيرين، ومعدل الفقر في عام 2017 بلغ 29.2، مشدداً على ضرورة دعم الفلسطينيين في نيل حقوقهم بتقرير المصير والهوية والاستقلال.

من جهتها، قالت رئيس دائرة الإدارة العامة في جامعة بيرزيت نور مطور، إن موضوع التنمية المستدامة بات يشغل فكر العالم بأكمله، "وباعتبارنا جزءاً من المنظمة الدولية، فنحن أحوج ما يكون إلى تدارس هذا الموضوع والتباحث فيه، وتحديداً في ظل الأزمات والصراعات".

وأشارت إلى أن المؤتمر يشكّل فرصة للبحث وتبادل الخبرات بين الخبراء والباحثين وصنّاع القرار حول موضوع التنمية المستدامة وبخاصة الأجندة الأممية 2030، لافتةً إلى أن "ظروف الأزمات والصراعات والحروب والاحتلال تعتبر من أكبر التحديات التي تواجه قطار التنمية المستدامة".

وبيّن المتحدث الرئيسي للمؤتمر مدير عام مؤسسة الأبحاث والسياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) د. نبيل قسيس بأن الاحتلال المستمر والمتواصل لأكثر من نصف قرن على فلسطين والمخالف للقانون يعيق تطبيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2015، وأن الافتراض الضمني السائد وغير الأكيد في حالتنا الفلسطينية بأن الاحتلال الإسرائيلي هو تشويش عابر للفترة المحددة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة أو بعض أهدافها في العام 2030.

وأكدّ أن السياق الفلسطيني تحت الاحتلال يختلف عن أي دولة أخرى تمر في أزمات مؤقتة، فالاحتلال، حسب قسيس، هو حالة استثنائية غير طبيعية، يطرح تساؤلاً حول إمكانية تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ظل وجود الاحتلال المستمر. وأوضح قسيس أنه في ظل هذه الأزمة المستمرة، ووجود احتلال استعماري إحلالي، لا بد من البحث عن سبل البقاء وتعزيز الصمود وتحقيق التنمية بكافة السبل المتاحة.

وقدّم قسيس تعريفاً للتنمية المستدامة، موضحاً أنها عملية رشيدة تتعلق باستغلال الموارد واستهداف النمو المتوازن وإزالة الفوارق والفجوات الاقتصادية في مسيرة تنموية تشمل الجميع ولا تستثني أحدا، ولا تقتصر فقط على التوسع الاقتصادي. وهنا، بيّن أن الجمعية العامة للأمم المتحدة وضعت 17 هدفاً للتنمية المستدامة و165 غاية لإحداث تغييرات في حياة الناس في مختلف انحاء العالم، وقامت فلسطين وغيرها من الدول بتبنيها ومتابعة تنفيذها من قبل الجهات المعنية المختلفة.

وفي تقييمها للأجندة الوطنية الساعية لتحقيق التنمية المستدامة، بيّن أن معهد ماس قامت بإصدار ملحق لمراقب الاقتصاد لتقييم الهدف الثامن من أجندة 2030 المتعلقة بالنمو الاقتصادي والعمل وتراجع تطوره في الحالة الفلسطينية. وأشار إلى أن الملحق أبرزَ المشاكل التي يعاني منها الواقع الفلسطيني فيما يتعلق بمقاصد هذا الهدف لاسيما فيما يتعلق بتراجع النمو الاقتصادي، وارتفاع مستويات البطالة، وانخفاض مشاركة النساء في سوق العمل، وتدني الأجور الحقيقية، وارتفاع إصابات العمل، وارتفاع نسب العمالة غير منظمة وغيرها.

وهنا، دعا قسيس إلى شراكة القطاعات الحكومية بمؤسسات القطاع الخاص والأهلي لتمكين القيادة وتعزيز إرادتها ومثابرتها على تحقيق أهداف الخطة الوطنية لتحقيق التنمية المستدامة، مع ضرورة الحرص على وجود قناعة لدى المتأثرين من هذه الخطة بجدواها، دون وجود مصالح ضيقة أنانية قد تعيق تنفيذ الخطة.

ويشهد اليوم الأول من المؤتمر ثلاث جلسات رئيسية، وتتناول الجلسة الأولى واقع وتحديات التنمية المستدامة في فلسطين، أما الجلسة الثانية فتتناول التنمية في المناطق المهمشة من قبل الاحتلال، والجلسة الثالثة تبحث في "التنمية الاقتصادية المستدامة في ظل الأزمات، الشراكات عبر القطاعية ودورها في تحقيق التنمية المستدامة".

ويتواصل المؤتمر يوم غد الأربعاء، ويفتتح بجلسة حول "الإدارة المستدامة للمصادر الطبيعية والتنمية البيئية المستدامة في ظل الأزمات"، والجلسة الثانية حول "الإدارة الرشيدة من أجل التنمية المستدامة: الحاجة إلى التعاون في ظل ظروف النزاع والأزمات"، أما الجلسة الثالثة فتتناول "التنمية الاجتماعية المستدامة: أهمية التناسق والتكامل الاجتماعي"، والجلسة الرابعة حول "التنمية المستدامة على المستوى المحلي".