معهد العلم المفدى.. دم بعـز وسلام

لا أملُّ من الاعتزاز بأنني درست في هذه الجامعة.
ولشدة حبي لها، فإنني أؤثث ركنًا بديعًا في ذاكرتي لها. أزوده باستمرار بمشاهد وقصص وأحداث، تكرّس امتناني لهذه الجامعة، التي لا تبني العقول فقط، بل تبني الأفكار مدماكًا مدماكًا، وتفتح القلوب على مصاريعها، لرياح المحبة ولريح الأنواء والمصاعب.
في بيرزيت، تتعلم السياسة على أصولها، وتفهم دهاليز الكولسة الانتخابية، فتنحاز لفصيل دون آخر بوعي كامل تربيه مع تخصصك الأكاديمي، وتمارس حريتك المطلقة في التوجه والانحياز والانتخاب.
قد تراها أقل مما كنت تظن بعد عمر، وعندما تتوسع مداركك، ربما، لكنك ستظل مدينًا للجو المنفتح فيها، الذي يحفز العقول على إطلاق الأفكار من أعنتّها، بلا خوف من رتابة الأكاديميا، أو بيروقراطية العمل الإداري، أو انضباط الطلاب النجباء في الصفوف الأولى بقاعات الدرس.
في بيرزيت، أنت تنطلق وتحلّق، ولا حدود لمعرفتك وأفكارك إلا السماء.
فيها تتعلم النقد قبل الثناء، والهجاء قبل المديح.
لكنك تتعلم العطاء قبل الأخذ، والمنح قبل المنع. 


ولا يكون المرء بعد جامعة بيرزيت كما كان قبلها. إنها بيئة كاملة، لفنجان القهوة فيها طعم خاص، وللمشي بين الكليات تحت المطر نكهة لا تنسى، وللنقاش داخل القاعات فيها والجدل في أروقتها، أثر لا يُنسى.
وإذ يسألني أحد عن بيرزيت، فإنني لا أتحدث عن العلم فيها، فالعلم في الكتب، ولا يركنّن أحد إلى ما تقدمه مؤسسات التعليم العالي في كل العالم من علم فقط، إنها فقط تعبّد الطريق إلى العلم، وكلٌّ ومهارته في السير وتحمل تعب النهل منه.
إنني أتحدث عن الحرية التي، للمفارقة، تتجلى داخل الأسوار.
أقول هذا اليوم وأنا منحاز لحرس الجامعة انحيازًا كاملاً، في وجه الحملة البشعة التي تنال منهم بشتائم رديئة على وسائل التواصل الاجتماعي، على خلفية إشكال مع طالب، قدمت فيه الجامعة رأيها، وانتصرت لمبادئها التي قامت عليها منذ أن كانت مدرسة ابتدائية للبنات عام 1924 في بلدة بيرزيت.
حراس جامعة بيرزيت أبناء هذه المؤسسة وثقافتها، القائمة على احترام الآخر قولاً واحدًا، ولم يكن العنف ديدنهم في يوم من الأيام.
لم يكن العنف يومًا ضمن ثقافة جامعة بيرزيت، ولن يكون.
ولعل قرابة 60 ألف طالب تخرجوا منها، يعرفون هذا الكلام، وأكاد لا أعرف أحدًا تخرج من جامعة بيرزيت، لا يعرف بعض الحراس معرفة صداقة ومحبة ومودة.
ولن أمل كل يوم من القول: صباح الخير يا بيرزيت.
معَهدَ العلم المُفَدى.. دُم بِعـز وسَلامْ
أنتَ بالأرواح تُفدى.. أيَها السَامي المَقامْ

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.