الولايات المتحدة، البلد المنكوب برئيسه

 

الرئيس الأمريكي ترامب، بما يمثله من أسلوب انتخابي شعبوي قائم على دغدغة عواطف الناخب الأبيض، وما يكرسه من سياسة اقتصادية تزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مسؤول عن الأزمات التي تتوالى على الولايات المتحدة، بداية من كورونا وانتهاء بالإحتجاجات الجسيمة المستمرة لعشرة أيام متتالية حتى الآن، ورغم ذلك، قد لا يدفع ثمناً انتخابياً لهذه الأزمات!

جاء مقتل جورج فلويد بمثابة الشرارة في كوم من القش الجاف الجاهز للإشتعال، فمنذ حملته الإنتخابية، عمد ترامب إلى التركيز على الناخب الأبيض من خلال ابراز مخاطر الهجرة وتأثيرها على البطالة،

وعزز ذلك بشعار أمريكا أولا، لإذكاء النعرة القومية الشوفينية المتعصبة، الأمر الذي أيقظ العنصرية التي لم يشفى منها المجتمع الأمريكي أصلا.

من ناحية أخرى، ازدادت في فترة ولايته الفجوة بين الأغنياء الذين زادوا غنى، والفقراء، الذين زادوا فقراً، وقد كشفت أزمة كورونا عورة هذا النظام، فوقع الأزمة الإقتصادية الناتجة عن الوباء كان أكثر بكثير على الفئات الإجتماعية الدنيا، من طبقة عاملة وطبقة متوسطة أخذة في التقهقر الى صفوف الفقراء.

لقد كان أحد نتائج السياسة اللبرالية الجديدة في الولايات المتحدة تراجع وشبه غياب للدور الحكومي في الرعاية الصحية الأولية، وكذلك الرعاية الإجتماعية، مما ترك ظهر الفئات الإجتماعية الأضعف، مكشوفا لسياط الأزمات الإقتصادية المتلاحقة، وبدلا من أن تخصص مقدرات الدولة لحماية هؤلاء، نراها تنصب على دعم الشركات لمنعها من الانهيار، بحجة أن انهيارها سيؤدي الى مزيد من البطالة وبالتالي الكساد.

وبالرغم من محاولة ترامب الإستفادة من أدوات التواصل الإجتماعي بتذاكي، إلى أنه وقع ضحيتها، فقد انتشرت صورة مقتل المواطن الأمريكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالنار بالهشيم، وساعدت شبكات التواصل بتوسيع الاحتجاجات وتنظيمها.

ليس من الواضح بعد ما ستكون علية نتائج هذه الاحتجاجات والأزمات الآنية خصوصا على الانتخابات القادمة بعد بضعية أشهر، ولكن غالبا ما سيكون لها تأثيرات متراكمة بعيدة المدى على السياسة الأمريكية الداخلية، وكذلك على سياستها الدولية، أن قدرة الحركة الاحتجاجية على المحافظة على الطابع السلمي منع دخول عناصر عنيفة ومظاهر السلب والنهب، ستحدد قدرتها على الاستمرارية وتحقيق نتائج حاسمة.

ليس من الواضح ان ترامب سيدفع ثمنا انتخابيا لهذه الأزمات لأن الوقت تأخر، فقد انتهت انتخابات الأحزاب الداخلية (Primaries)، وأصبح سباق ترامب مع جو بايدن شبه محسوم بسبب ضعف الاخير وعدم قدرته على استغلال أخطاء ترامب لصالحه.

لكن على المدى البعيد، فإن هذه الأزمات سوف تنقل المجتمع والناخب الأمريكي خطوة صغيرة أخرى نحو نوع السياسات التي روج لها لأول مرة في الولايات المتحدة مرشح مثل بوب ساندرس، الذي نادى بالعودة إلى اللبرالية الكلاسيكية، ونادى بالحد من جبروت وتغول القطاع الخاص، وضرورة أخذ الدولة لدور أكثر جدية في الرعاية الاجتماعية وتقليل الفجوات الإقتصادية الطبقية، هذا اللون الذي كان غائبا عن النقاش المجتمعي والإنتخابي حتى مؤخرا، والمتوقع أن يجد مساحة أكبر بعد هذه الازمة.

اضافة لذلك، فسوف تؤدي هذه الأزمة الى مزيد من التراجع في مكانة الولايات المتحدة على المستوى الدولي، وذلك أولا، بسبب تراجع مكانة الولايات المتحدة كمثال، وبالتالي تراجع قوتها الناعمة التي استعملتها كثيرا كأداة للتفوق والهيمنة وتحقيق اهداف سياستها الخارجية، وثانيا،

هذه الأزمات المتلاحقة، والتخبط في معالجتها، تؤدي الى تراجع المكانة الإقتصادية الأمريكية على مستوى التنافس العالمي، ويقرب أكثر انتهاء دورها كقوى عظمى وحيدة، وبالتالي يحد من هيمنتها الاقتصادية والسياسية، ويقربنا من نظام عالمي متعدد الاقطاب.

مثل هذه النتائج، إذا صح التحليل، يجب ان تعتبر اخبارا جيدة بالنسبة لمناطق كثيرة في العالم ومنها الشرق الاوسط، الذي عانى كثيرا من غياب أي رادع دولي للهيمنة الامريكية، خصوصا بوصول دعمها للإسرائيل، وكيلها الرئيسي في الشرق الاوسط، الى درجة غير مسبوقة تاريخيا، الامر الذي شجعها، بعد ان احكمت سيطرتها على فلسطين، الى السعي لمد نفوذها وهيمنتها على المنطقة بأشكال مختلفة.

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.