الجذر التربيعي لأزمة النظام السياسي الفلسطيني

كان من المفترض ان يُعقد في هذا الشهر اجتماعاً للمجلس الوطني الفلسطيني، وقد جدَّدَ قرار تأجيله، وأسباب هذا القرار، النقاش مرة اخرى حول أزمة النظام السياسي الفلسطيني، سواء من حيث أسبابها أو طرق الخروج منها.أود المجادلة في هذا المقام، أنه وبالرغم من وجود أسباب عديدة لها، إلا أن الجذر الأساسي لهذه الأزمة هو غياب الانتخابات، والتراجع التدريجي لثقافة الانتخابات في مجتمعنا، أي تقبل الجمهور لغيابها عن معظم أوجه الحياة التنظيمية، وتعايشه مع ذلك.لم تجر انتخابات لمجلس السلطة التشريعي منذ تسع سنوات، ولا رئاسية منذ عشرة سنوات، ولم تجر انتخابات للمجلس الوطني منذ ربع قرن على الاقل، ولم تجر انتخابات لقيادة الفصائل الرئيسية منذ مدد متفاوتة، ولكن طويلة، وفي المؤسسات المهنية، أصبحت الفصائل تجتمع لتتحايل على الانتخابات عن طريق الاتفاق على كتل لتفوز بالتزكية أو شبة التزكية، كما تم تأجيل انتخابات بعض مجالس طلبة الجامعات بعد ظهور نتائج غير مشجعة في انتخابات بعضها الآخر ، وعندما استقال مجلس بلدي نابلس المنتخب، تم التفكير في كل الحلول، سوى الحل الذي ينص علية القانون في حالة الاستقالة وهو الانتخابات.وحال المؤسسات غير الحكومية ليس أحسن، فإما ان تشهد هيئاتها العامة، المضبوطةُ في العادةِ كماً ونوعاً، انتخابات شكلية، أو لا تشهد، والدليل أنه في كثير من الحالات، فإن الاشخاص الذين أسسوها في شبابهم، لا زالوا يمسكون بتلابيبها وهم في سن التقاعد أو يكاد.هناك تداعيات وخيمة لغياب الانتخابات وتراجع ثقافة الانتخابات في المجتمع، فالانتخابات في العصر الحديث هي الآلية الاساسية، ان لم تكن الوحيدة، المستخدمة لتنظيم الحياة العامة في المؤسسات العامة، وهي المسؤولة عن تدوير النخب في مؤسسات الحكم، وعن تجديد الأجيال، وتجديد الدم، وإدخال الأفكار الجديدة والمتنوعة لدوائر القرار، وهي كذلك الضمانة الأساسية للصلة الحيوية بين الحاكم والمحكوم، وآلية المسائلة اللازمة لضمان سلامة الحكم واستجابة الحاكم لأولويات الجمهور، وغيابها يحول المؤسسات العامة الى ما يشبه الماء الآسن.أليست هذه بالضبط أبرز مظاهر أزمة نظامنا السياسي؟لقد استمدت القيادة الفلسطينية شرعيتها، منذ أواخر الستينات من القرن الماضي، من قيادتها للنضال الفلسطيني وتضحياتها في سياق ذلك، واستمدت شرعيتها في التسعينيات من نفس القرن من الانتخابات التي جرت في الضفة والقطاع. فإذا استمر تآكل الشرعية بسبب غياب الانتخابات، من أين ستستمد قيادتنا شرعيتها، وبالتالي قوتها، اللازمة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية؟إن الطريق الطويل، الذي لا بديل منه، لإعادة الصحة والعافية الى نظامنا السياسي، يبدأ باستعادة جمهورنا، على كل الأصعدة، لحقه المغتصب باختيار مسؤوليه، وبالتالي مسائلتهم والتواصل والتفاعل معهم وتغييرهم. واي طريق آخر، لا يتضمن ذلك، لن يخرجنا من الازمة.

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.