8 آذار هو رمز تقدير الجهد الإنساني الذي لا يضيع في أي مكان

يوم المرأة العالمي، هو رمز للعمل المشترك الذي يوحد النساء بصرف النظر عن حدود الجغرافيا واللغة والديانة، والانتماء الاجتماعي. وركن للتضامن بين النساء والرجال الذين يؤمنون بأن الحرية والعدل هي كالشمس والهواء لا بد أن تكون للجميع دون تفرقة ودون مساومة.

8 آذار كما بدأ واستمر يصحح الفكرة الخاطئة الشائعة لدى البعض، فقضية المرأة ليست قضية خيرية هامشية تتخذها بعض النساء موضة يثرثرن حولها في الأندية والصالونات لقتل الفراغ والملل، ولإثبات أنهن أفضل من جداتهن اللائي حرمن من التعليم والعمل. قضية المرأة ليست حلية اجتماعية للشهرة، وليست قضية الاستهتار الأخلاقي، وليست قضية العداء للرجال. قضية المرأة كما يذكرنا 8 آذار هي قضية سياسية واقتصادية وفكرية وأخلاقية وثقافية، تهدف إلى تحرير طاقات النساء – نصف المجتمع – لإثراء حياتهن وحياة شعوبهن.

قضية المرأة هي قضية الوطن الذي يريد إلغاء تحيزه الذكوري، ويخجل من كل ممارسات العنف سواء كان عنفا ماديا أو عنفا معنويا.

وإذا علينا نحن النساء الفلسطينيات أن نستلهم 8 آذار في خصوصية المخاطر التي تواجهنا، وأن نشجع كل الجهود الرسمية والأهلية التي تستهدف رفع القهر عن النساء، ذلك القهر الذي يتستر وراء كلمات براقة مثل طبيعة المرأة، أو مصلحة الأسرة.

المرأة والجامعة والمجتمع الفلسطيني

انخرط المجتمع الفلسطيني بشكل عام والمؤسسات الفلسطينية بشكل خاص في مواكبة التقدم الحضاري بما يشمل ذلك احترام حقوق الإنسان واعتبار حقوق المرأة جزءا من حقوق الإنسان؛ فلقد تم الإعتراف باتفاقية "سيداو" وهي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،

 وفي جامعة بيرزريت جرى تطبيق الديموقراطية الليبرالية التي تؤمن بحقوق الإنسان بشكل عام والتي تدعو الى عدم التمييز بين الرجل والمرأة في مجال العمل والأجور والترقيات وغيرها، وحاولت الجامعة تمكين المرأة من صنع القرار في مجالات متنوعة، وحقيقة ان  تواجد النساء في مواقع صنع واتخاذ القرار يمثل مشروعاً حيوياً بالنسبة لآفاق التنمية في المجتمع الفلسطيني خاصة في مؤسسات التعليم العالي. فلعبت جامعة بيرزيت دورا تقدميا في هذا المجال بتوظيفها عدد لا بأس به من النساء في مواقع قيادية واحترام قدراتهن في المجالات المختلفة إلا ان مجتمع الجامعة بأجسامه المختلفة يحتاج الى بذل مزيد من الجهد ليصل بالمرأة العاملة في الجامعة - سواء على صعيد التدريس او العمل الإداري-  الى مراتب متقدمة في صنع القرار.

ولكن يبقى الإعتماد في هذا المجال - سواء بالنسبة للمرأة او الرجل- على قدرة المرء نفسه في إعداد نفسه إعدادا جيدا بما يواكب الحياة العصرية من تقدم علمي ثقافي، فيتساوى عندها الأشخاص ذوو الكفاءة من الجنسين. 

فبحسب دراسة ( لم يتم نشرها بعد)  لدى معهد دراسات المرأة فهنالك 389 عضو هيئة تدريسية، 118 منهم نساء تمثل 30.3 % من  أعضاء الهيئة التدريسية. وتمثل الإناث من الموظفين 44% ما يعادل 197من العدد الإجمالي للموظفين والذي يبلغ 448 موظف وموظفة. 

وأهم التوصيات التي اشتملت عليها الدراسة هو تطوير آليات نوع اجتماعي تكون مساعدة في تقليص الفجوة بين الجنسين، بالإضافة الى  وضع استراتيجية لتشجيع النساء في الرتب المتدنية في البحث والتأهيل من خلال سياسات إدارية تستطيع أن تقدم بعض التسهيلات والدعم لإعطاء النساء الوقت والمساحة للأبداع والمشاركة.

ثم رفع وعي الهيئة التدريسية والموظفين والعاملين في قضايا النوع الاجتماعي وذلك لتحقيق شعار المساواة والعدالة الاجتماعية ولتكون الجامعة المؤسسة الطليعية في تطوير السياسات والآليات لهذا الغرض.

ونشير بفخر هنا إلى أن  المرأة الفلسطينية قد شقت طريقها بالمساواة الكاملة في حق التعليم، وحق العمل في كل مناحي الحياة، وتشارك المرأة مشاركة فاعلة في الحياة العامة، في الهيئات والنقابات والجمعيات وفي مختلف أوجه النشاط النضالي والسياسي والثقافي والتعليمي والاقتصادي والاجتماعي، وفي عملية صنع القرار وهذا بدوره مؤشر على اعتراف المؤسسات على اختلاف أنواعها بدور المرأة الفاعل في صنع القرارات ، وإيلاء قضية المرأة كل اهتمام.

نظرة على تاريخ 8 آذار

التعرف على 8 آذار يعود بنا إلى بدايات القرن العشرين، حيث شهدت أمريكا وأوروبا الغربية طفرة صناعية هائلة. واقتضى منطق الربح الرأسمالي التوسع الصناعي لسد احتياجات هذه النهضة، والبحث عن قوة عمل رخيصة حتى يتعاظم فائض القيمة. وقد ظهرت نساء وأيضا أطفال في سوق العمل الرأسمالي لتمثل ارخص قوة عمل، حيث كان الأسهل على أصحاب العمل أن يوظفوا العمالة النسائية بشروط أكثر إجحافا واضطهادا، وهكذا ارتبطت حركة النساء التحررية في العصر الحديث بحركة العمال ضد الاستغلال الرأسمالي.  وتجسدت حركة النساء حينئذ في ظهور أول صحيفة نسائية للحركة الاشتراكية باسم المساواة ورأس تحريرها فريدريك إنجلز عام 1890.

كانت تلك الصحيفة النسائية التي سميت بالمساواة منبرا حرا أخذ على عاتقه دعوة النساء العاملات للتوحد في البلدان الرأسمالية، وضرورة اختراق النقابات والأحزاب والتكتلات العمالية. قادت هذه الدعوة المناضلة الألمانية المعروفة كلارا زيتكن، والتي أخذت مسؤولية الجريدة بعد إنجلز، وقد امتد تأثير دعوة كلارا إلى روسيا القيصرية، حيث كان للنساء مساهمة فعالة في إسقاط القيصر. ويعود الفضل إلى كلارا زيتكن في فكرة تخصيص يوم عالمي للمرأة، حيث اقترحت هذا الأمر في أحد المؤتمرات النسائية عام 1887. وحدث في يوم 8 آذار 1908، أن أعلنت آلاف العاملات في مدينة نيويورك الإضراب ضد شروط لعمل المجحفة وساعات العمل الطويلة (بلغت 14 ساعة يوميا)، وانخفاض الأجور في صناعة النسيج. وقد سارت النساء العاملات في مظاهرة ضخمة، ومشت المظاهرة ساعات طويلة لم تتناول فيها النساء الطعام والشراب. وما كان من البوليس إلا أن تدخل بالضرب وخراطيم المياه الباردة دون اعتبار للأطفال، أو لظروف البرد الشديد. وقد انضم عدد كبير من العمال الرجال إلى مظاهرات النساء. وفي نهاية الأمر استجاب أصحاب العمل لبعض المطالب، بعد سقوط عدد كبير من النساء ضحايا الاعتداء والإرهاق. واختارت كلارا زيتكن يوم 8 آذار ليكون يوم المرأة العالمي تضامنا مع هؤلاء النساء. وقد احتفل لأول مرة بـ 8 آذار.

المرأة والمساواة

المساواة هي حجر الأساس لكل مجتمع ديمقراطي يتوق إلى العدل الاجتماعي وحقوق الإنسان، واقصد هنا المساواة بالمفهوم الجماعي العام في الحقوق والواجبات وفي تكافؤ الفرص، بهدف تحقيق العداله الإجتماعيّة والتكامل.

وفي جميع المجتمعات وفي جميع أوجه النشاط تقريبا تتعرض النساء لأوجه من عدم المساواة في القانون والواقع، وهذا الوضع يسببه ويزيد من حدته وجود تمييز في الأسرة وفي المجتمع. فكما تعلمون فإن مكانة النساء تاريخيا اعتمدت على القوانين والعادات للبلدان التي يعشن فيها، فحسب القوانين والتقاليد حرمت العديد من المجتمعات النساء من حق الحصول على مكانة قانونية واجتماعية مستقلة استنادا للقيم الأبوية التقليدية والتي حرصت على وضع النساء تحت وصاية السلطة الذكورية في العائلة والمجتمع. ويبقى التمييز ضد المرأة واسع الانتشار، ويدعم هذا التمييز بقاء الآراء الجامدة التي لا تتغير والعادات والتقاليد الثقافية والدينية التي تضر بالنساء.

لقد تغير المشهد العام لحقوق المرأة بصورة جذرية على مدى القرن المنصرم. منذ عام 2009، أصبحت القضية أقل تعلقاً بالوضع القانوني للمرأة- مع أن بلداناً عديدة لا يزال لديها قوانين تنطوي على التمييز - وأكثر تعلقاً بتمتع المرأة بالمساواة الحقيقية في جميع جوانب حياتها.

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.