بيرزيت في تصنيف QS...تحديات الواقع وجدارة الارتقاء

تصنيفات الجامعات ولزوم ما استلزم

بالترافق مع التطور الهائل في التكنولوجيا الرقمية فقد أضحت البيانات الاحصائية -بما لها وما عليها-أداة فاعلة في تكثيف المعاني وصياغة الاستنتاجات. وتبعاً لذلك فإن القوائم التصنيفية للجامعات ولتخصصاتها برزت خلال العقد الأخير كأحد الأنشطة الهامة التي تعتمد عليها الجامعات في اجتذاب التمويل والأساتذة المتميزين، وفي المقابل يستند إليها الطلبة في اختيار الجامعة والتخصص الدراسي المناسب.

وفي الغالبية الأعم، فإن التصنيفات الجامعية تسعى لقياس أداء الجامعات من خلال معايير تختص في مجملها بالجوانب التدريسية والبحثية والعلاقة مع المحيط المحلي والخارجي. من هنا فإن الجامعات حول العالم آخذة في إيلاء اهتمام شديد بها من خلال تكليف فرق عمل مهمتها النهائية البحث في السبل الكفيلة برفع مراتب الجامعات في القوائم السنوية لتلك التصنيفات.

ما هو تصنيف QS؟

يصدر هذا التصنيف بشكل سنوي، للجامعات وللتخصصات العلمية فيها، عن مؤسسة بريطانية متخصصة بالتعليم العالي تدعى (Quacquarelli Symonds)، وينظر إليه كأحد التصنيفات الثلاثة الأهم عالمياً (بالإضافة لكل من تصنيف Times Higher Education-THE وتصنيف Academic Ranking of World Universities-Shanghai). وقد عملت مؤسسة QS بالشركة مع مؤسسة THE في الأعوام 2004-2009، ومن ثم بدأ كل منهما بإصدار قائمته التصنيفية بشكل منفصل رغم التشابه الكبير في معايير كل منهما.

تشتمل معايير تصنيف QS على سمعة الجامعة بين الأكاديميين الخارجيين، وسمعة الجامعة لدى أرباب العمل (وكلاهما يتقرران تبعا لبيانات مسحية)، نسبة الأساتذة للطلبة، معدل الاقتباسات لعضو الهيئة الأكاديمية الواحد، واعداد الأساتذة والطلبة الأجانب بالجامعة. ويتم تحديد مكانة كل جامعة داخل القائمة التصنيفية تبعاً لأدائها في كافة المعايير. وخلال السنوات الأخيرة فقد ازداد عدد الجامعات التي تشملها القائمة التصنيفية العالمية من 500 إلى ما يقارب 1000 جامعة، وبدأت شركة التصنيف بإصدار قوائم مناطقية (المنطقة العربية، أمريكا اللاتينية، أسيا، وغيرها) بالإضافة لقائمتها العالمية، مع ادخال تعديلات على المعايير المستخدمة في القوائم المناطقية مراعاة لخصوصيتها.

مرتبة بيرزيت في تصنيف QS

صدرت أول قائمة تصنيفية للجامعات العربية من طرف QS بشكل مصغر وتجريبي خلال العام 2014، بحيث اشتملت العملية على اثنتي عشرة دولة عربية لم تكن فلسطين بينها. وبرزت في حينه بعض الانتقادات المتسرعة للجامعات الفلسطينية على اعتبار أنها غير جديرة بالمنافسة. ولكن ذلك سرعان ما تبدد مع دخول ثلاثة جامعات فلسطينية لقائمة أعلى 100 جامعة عربية في قائمة التصنيف الصادرة في العام 2015 من بين ما يقارب ألف جامعة ومؤسسة تعليم عالي عربية. وقد جاءت جامعة بيرزيت في مقدمة الجامعات الفلسطينية في نسخ التصنيف الثلاثة التي صدرت منذ ذلك الحين، متقدمة في الترتيب على مستوى الجامعات العربية سنة بسنة حتى وصلت للمرتبة الثامنة والثلاثين في قائمة التصنيف الصادرة في أواخر عام 2017 والتي احتوت أربع جامعات فلسطينية. أما معايير التصنيف فهي تسعة، وتشتمل على سمعة الجامعة بين الأكاديميين، سمعة الجامعة بين أرباب العمل، نسبة عدد الأساتذة لطلبة، تأثير الموقع الالكتروني للجامعة، عدد الاقتباسات للمقالة الواحدة، نسبة حملة الدكتوراه من الكادر التدريسي، معدل المقالات المنشورة لعضو الكادر الأكاديمي الواحد، عدد الأساتذة الأجانب، وعدد الطلبة الأجانب. ومن المهم التنويه هنا بأن الانتاج العلمي المنشور باللغة العربية لا يتم إدراجه ضمن المعايير التصنيفية، وهو أحد المثالب التي تستوجب المعالجة.

أما الانجاز الأبرز لبيرزيت في التصنيفات الجامعية، فقد تمثل في دخول الجامعة لقائمة QS العالمية للعام 2018 والتي احتوت ما يقارب 1000 من جامعات العالم من بين ما يزيد على 26 ألف جامعة، كانت بيرزيت الجامعة الفلسطينية الوحيدة بينها. وتمكنت الجامعة مجدداً من دخول هذه القائمة المرموقة مع احراز بعض التقدم في نسخة التصنيف للعام 2019 التي صدرت مؤخراً. وبذلك فقد خطت جامعة بيرزيت اسمها كأول جامعة فلسطينية تتمكن من دخول القائمة العالمية لأحد التصنيفات المرموقة، لتمنح التعليم العالي في البلاد شهادة جودة عالمية.

يأتي ذلك بجهد فلسطيني خالص، على الرغم من التحديات الجمة التي تواجه التعليم العالي وفي ظل الظروف الاستثنائية للبلاد التي حالت وتحول دون منافسة عادلة مع الجامعات الخارجية في معايير التصنيف المتعلقة بالأساتذة والطلبة الأجانب، بالإضافة لشح التمويل وهجرة الكفاءات البشرية وضعف البنى التحتية وثقل الأعباء التدريسية.

التصنيفات بين بريق الفرصة وثقل التحدي  

بحكم المعطيات والنتائج فإن التصنيفات الجامعية تشكل فرصة وتحدياً في آن واحد. فهي من جهة تمنح الجامعة هامشاً جيداً لتجنيد التبرعات واجتذاب الأساتذة الأكفاء والطلبة الجيدين ومقارنة أدائها مع الجامعات الأخرى، ولكنها من جهة ثانية تفرض على الجامعات تحدي التسابق مع ذاتها سعياً للارتقاء بمرتبتها التصنيفية أو على الأقل المحافظة عليها من عام لآخر. يأتي ذلك في ظل معيقات موضوعية متعددة يتوجب على الجامعة أن تتجاوزها وتواصل شق طريقها نحو المزيد من التميز. فالجامعات الفلسطينية على وجه عام، وجامعة بيرزيت بشكل خاص، وجدت نفسها في أحيان كثيرة في أوضاع فريدة من نوعها بالنسبة لمؤسسة تعليمية، يفترض أن تتهيأ لها أرضية مناسبة لممارسة مهامها بشكل طبيعي في جو من الحرية والطمأنينة. ولكن، على الرغم من ذلك، فقد شقت الجامعة طريقها بفضل تفاني وتضحيات أفراد مجتمعها من أساتذة وعاملين وطلبة، وقامت ولا زالت بتأدية دورها التعليمي والمجتمعي ضمن الامكانيات المتاحة.

في هذا الإطار فإن التصنيفات الجامعية يتوجب النظر إليها كوسيلة لا كغاية، تساعد الجامعة في تطوير أدائها التدريسي والبحثي، من خلال تجذير ممارسات الجودة وتطوير البنى التحتية اللازمة، خدمة لرسالتها الحضارية الانسانية ولشعبها وقضيته الوطنية.

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.