الجامعات الفلسطينية ... أين هي من التصنيفات العالمية الزاحفة نحو المنطقة؟!

مع حمى الاحصاءات الرقمية التي تجتاح مجالات الحياة المختلفة في عصرنا فقد أضحت الأرقام أدوات لتكثيف المعاني وإيجاز التفاصيل. وضمن هذا السياق يأتي تصنيف الجامعات كأحد الأنشطة الهامة التي تخص مؤسسات التعليم الجامعي والتي يعتمد عليها الطلبة في الدول المتقدمة في اختيار التخصص وتحديد الجامعة المنوي الالتحاق بها, وتعتمد عليها الجامعات في اجتذاب التمويل. تهدف هذه التصنيفات بشكل عام لترتيب الجامعات حسب مستوياتها العلمية والبحثية وسمعتها المتحققة من نجاحات كوادرها وخريجيها, ولقد أخذت هذه التصنيفات في الانتشار والتوسع بشكل مكثف خلال العقد الأخير نتيجة للتطور الهائل في البرمجيات التي تسهل متابعة المنشورات العلمية وإجراء الاستبانات والعمليات الاحصائية والقيام بتحليلها.nbsp;وكتعبير عن أهمية مثل هذه التصنيفات فقد أخذت الجامعات في الدول المتقدمة بإيلاء اهتمام شديد لترتيبها السنوي فيها وقامت بتكليف فرق عمل مهمتها النهائية البحث في السبل الكفيلة برفع مراتب الجامعات على سلم تلك التصنيفات, من خلال إيلاء اهتمام أكبر بالنشر العلمي كماً ونوعاً, وبالحضور على شبكة الانترنت عبر مواقع غنية بالمعلومات وسهلة الوصول اليها, وبمعايير الجودة التدريسية وتبني الطرائق الحديثة فيها.في مضمار التصنيفات فإنه يمكن تعداد التصنيفات التالية بين الأكثر شهرة حول العالم:تصنيف شنغهايتصنيف تايمز للتعليم العاليتصنيف كيو استصنيف ويبومتركسهذا بالإضافة إلى تصنيفات أخرى بدأت تنتشر خلال السنوات الأخيرة في بلدان مختلفة. يجدر الحديث عن أن كل من تلك التصنيفات مختلف في معاييره وفي اهدافه. فمثلاً يعتمد تصنيف شنغهاي بشكل أساسي على عدد الأبحاث المنشورة للجامعة وعدد الباحثين المدرجين في قوائم Thomson Reuters الحاصلة منشوراتهم على أعلى إقتباسات, والجوائز والميداليات التي حصل عليها أكاديميو تلك الجامعة وخريجوها.أما بالنسبة لتصنيف تايمز للتعليم العالي فهو يعتمد على معطيات مسحية للسمعة الأكاديمية للجامعات يتم اجراؤها بين الأساتذة والطلبة في دول مختلفة, ويعتمد كذلك على معطيات النشر العلمي المدرجة في قاعدة بيانات Scopus للجامعات المشمولة بالتصنيف.من جهة أخرى فإن تصنيف كيو اس يعطي مساحة أقل للنشر العلمي وما يرتبط به ويركز بشكل أكبر على سمعة البرامج الأكاديمية لجامعة ما بين النظراء من الأكاديميين, وسمعة خريجي تلك الجامعة بين أرباب الأعمال, ومقاييس الجودة الأكاديمية داخل الجامعة كعدد الطلبة بالنسبة للأساتذة.وفيما يتعلق بتصنيف ويبومتركس فهو يُعنى بقياس حضور الجامعات على شبكة الانترنت من خلال نطاقها الالكتروني وما يرتبط به من مواقع, ونشاط أكاديمييها وحضورهم من خلال إنتاجهم العلمي على الشبكة, معتمداً في قياس ذلك على أربعة معايير لموقع الجامعة تشتمل على التأثير والحضور والإنفتاح والتميز حسب التعريفات المدرجة لذلك. ومن بين التصنيفات الوارد ذكرها أعلاه فإن تصنيف ويبومتركس هو الأكثر انفتاحاً على العالم العربي حيث يدرج ضمن قوائمه ما يقارب ألف جامعة ومؤسسة تعليمية عربية, ومن الملفت أن أربعة من الجامعات الفلسطينية وهي النجاح وبيرزيت والاسلامية والقدس تقع ضمن قائمة المئة جامعة الأوائل من الجامعات العربية المدرجة على سلم ويبومتركس الصادر في شهر كانون ثاني لهذا العام.وأسوة بتصنيف ويبومتركس, فقد بدأ كل من تصنيف كيو اس وتصنيف تايمز للتعليم العالي بالانفتاح على الجامعات العربية حصرياً, سيما وأن تلك الجامعات تبدو في المجمل غير قادرة على أخذ مراكز مرموقة عند مقارنتها بالجامعات العالمية المعروفة. بناءً على هذا التوجه فقد قامت شركة كيو اس بعملية لتصنيف بعض الجامعات العربية بشكل مصغر وتجريبي خلال العام 2014, بحيث اشتملت العملية على اثنتي عشر دولة عربية لم تكن فلسطين بينها. وبحسب ما يذكره موقع كيو اس فقد تم تحديد مواقع الجامعات في هذا التصنيف بناءً على تسعة معايير هي السمعة الأكاديمية, والسمعة الرائجة لدى أرباب العمل (وكلاهما يتقرر تبعا لبيانات مسحية), نسبة الأساتذة للطلبة واعداد الأساتذة والطلبة الأجانب, والموقع الالكتروني, نسبة حملة الدكتوراة من الكادر التدريسي, معدل المقالات المنشورة لعضو الكادر الأكاديمي ومعدل الإقتباسات للمقالة الواحدة. ومن المنتظر أن يتم في مرحلة لاحقة قريبة الإعلان عن نتائج لترتيب الجامعات العربية بشكل موسع أكثر.وامتداداً لانفتاح التصنيفات العالمية على المنطقة العربية, فقد نظمت الجهة المسؤولة في تصنيف تايمز العالمي لقاءً في شهر شباط من العام الحالي في قطر ضم ممثلين عن جامعات المنطقة وذلك للتداول حول موضوع التقييم والمعايير الواجب اعتمادها في ذلك, والتي ذكر أنها تشتمل في الاطار العام على السمعة, تأثير الأبحاث, البيئة التعليمية, والانفتاح على العالم. وبحسب ما يذكره الموقع ذو الصلة فإنه من المقرر الإعلان عن نتائج عملية التقييم الجارية حالياً في بداية العام القادم.إن دخول الجامعات العربية على خط التصنيفات سالفة الذكر وإيلاء الكثير من الأهمية لذلك أضحى يلح على المسؤولين في الجامعات الفلسطينية من أجل اتخاذ قرار المشاركة من عدمه في هذه العملية بعد تحديد مدى الجاهزية لذلك. فالدخول في هذا المعترك قد ينطوي على مجازفة للبعض, والإحجام عنه أيضاً قد يفهم كعلامة ضعف وعدم ثقة. وأياً يكن القرار فالموضوع بحاجة لحملات توعية ومداولات ونقاشات من باب العلم بالشيء على أقل تقدير.ختاماً, إن أحد سمات هذا العصر, والتي تشكل فرصةً في جانب ومأزقاً في آخر, هي صناعة المشهد والصورة كأداة دعائية وتسويقية مؤثرة. واتساقاً مع ذلك فقد أضحت الجامعات العالمية تتسابق في إبراز مكامن تفوقها على منافساتها سعياً لاجتذاب أفضل الطلبة والباحثين المتميزين وتجنيد التمويل لنشاطاتها الاكاديمية والبحثية. وفي الوقت الذي قد تفيد فيه التصنيفات سالفة الذكر في تبيان مكامن التفوق والتمايز للجامعات وتساعد الطلبة على اختيار ما يناسبهم, فإنه -وبحسب ما يشاع ويكتب- لا يبدو من التجني في شيء القول أن بعض الجامعات إقليمياً ودولياً قد بلورت أساليب دعائية, ومسالك بعيدة عن الرصانة الأكاديمية لتلميع واقعها وتضخيم انجازاتها سعياً لإحراز مراتب تصنيفية تفوق ما هي عليه في الواقع.ولكن بالرغم من السلبيات وسوء الاستخدام الذي قد يعتري الموضوع فإنه لا يبدو عملياً أو منطقياً إدارة الظهر للتصنيفات الجامعية, وقد يكون من الأجدى للجامعات المحلية والعربية الانفتاح على هذه التصنيفات سعياً لتشخيص الواقع بشكل موضوعي وبلورة خطط عمل لتطوير الأداء في مجالات التعليم والبحث العلمي. ولعله من الأولويات الملحة البحث في معالجة مشكلة غياب جهة تصنيفية موحدة للمنشورات التي تصدر باللغة العربية كون مثل هذه المنشورات تشغل حيزاً هاما في الكثير من التخصصات الجامعية في الدول العربية, ومن المتعذر حالياً أن تدخل ضمن معايير التصنيف العالمية الخاصة بالنشر العلمي نظراً لأن الكثير من المجلات التي تصدرها غائبة عن محركات البحث وعن قواعد البيانات العالمية المرموقة.أ.د. طلال شهوان – عميد الدراسات العليا – جامعة بيرزيت

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.