كلمة د.عبد اللطيف أبو حجلة في مبادرة كرامة/ معمل الأفكار- مؤتمر صنع في بيرزيت "فكر عضوي"، 14 تشرين الثاني 2015

الضيوفُ والطلابُ والزملاءُ الأعزاء،
يسعدُني أن أفتتحَ مؤتمركم هذا الصباح، وأن أبدأَ بالثناءِ على طابعِ المؤتمرِ الذي يشتركُ فيه طلابٌ وخريجون من كلياتٍ وتخصصاتٍ مختلفة، ومن مراحلِ الدراسةِ الثلاث في الجامعة: البكالوريوس والماجستير والدكتوراة، ويناقشُ قضايا تهمُّ مستقبلَكم، وتهمُّ شعبَنا وقضيتَنا. وأُثني على العنوانِ الذي اخترتموه لمؤتمرِكم؛ فجامعةُ بيرزيت تنتجُ فكرًا، وتشكلُ مكونًا عضويًا من مكوناتِ المجتمعِ الفلسطيني، وقد لعبت هذا الدورَ عن جدارةٍ منذُ تأسيسِها، وستستمرُّ في لعبِه وتطويرِه بجهودِكم طلابًا وأساتذةً وعاملين.

يشكلُ هذا المؤتمرُ الطلابي أنموذجًا يحملُ في طياتِه عددًا من سماتِ الجامعةِ التي نعملُ على ترسيخِها بشكلٍ أعمق. فهو عبارة عن مبادرةٍ طلابية، ويحملُ طابعًا متداخلَ الحقول، ويجمعُ بين طلابِ الجامعةِ من تخصصاتٍ مختلفة، وهو يطرقُ بجرأةٍ قضايا الساعة، وبشكلٍ معمقٍ وناقد، ويلامسُ بشجاعةٍ صُلبَ المعضلاتِ التي يواجهُها المجتمع الفلسطيني نتيجة الحالة الاستعمارية، وهو يسعى إلى استخدامِ أدواتِ العلمِ والمعرفة، ويجسدُ الطاقةَ الشبابية في فتحِ آفاقِ التحررِ على مختلفِ الأصعدة، وهذا بالفعل يشكل يعكسُ رسالةَ الجامعة.

إن جامعةَ بيرزيت، المؤسسةَ الوطنيةَ التي تعملُ في سياقِ الهمِّ المجتمعيِّ الفلسطيني، وتستشعرُ آفاقَ المستقبلِ الحرِ للشعب الفلسطيني؛ تسعى بقوةٍ نحوَ رفدِ المجتمع الفلسطيني، والعالم، بكوادرَ منتجةٍ للفكر، رائدةٍ في قيادةِ التغيير، وقادرةٍ على المساهمةِ الفاعلة في بناء مستقبل واعدٍ يتسمُ بالحرية، والاستقلال، والنماء، والرخاء.

تعكفُ الجامعةُ حاليا على تطويرِ نفسها في مختلف المجالات، مع التركيزِ على الجودةِ والريادةِ العلمية.  فبعد توسعِ الجامعةِ الأفقي خلال العقد الماضي، بات من الضروري التركيزُ أكثر على محتوى الجامعة بشكل أكبر، وبات ضروريًّا أن تشحذَ الجامعةُ همتها أكثر لتطويرِ بناها المعرفية لتستمرَّ في مواكبةِ المستجدات، ولتقودَ الطريقَ نحو المستقبل.

ولتحقيق هذه التطلعات، تعكفُ الجامعة على تطويرِ البرامجِ القادرة على شحذِ المهاراتِ القياديةِ لدى طلبتها، وعلى توسيعِ القاعدةِ التي تشكلُ بيئةً خصبةً للإبداعِ ولتحقيقِ أكبرِ قدرٍ ممكنٍ من الطاقات الإيجابية لدى مجتمعِ الجامعة، وبشكلٍ خاص لدى الطلبة.

وتقومُ الجامعةُ حاليا بتطويرِ عددٍ من البرامجِ الجديدةِ وتحديثِ عددٍ من الفعالياتِ الأكاديمية، بما في ذلك تطويرُ مفاهيمِ التعليمِ العالي، ليتطابقَ مع رسالةِ الجامعةِ التي تضعُ حريةَ الفكرِ والنقد والإبداع نصب عينيها.

ومن ضمنِ عملياتِ التطويرِ والتحديث، تعكفُ الجامعةُ في هذه الأثناء على تطويرِ برامجَ في الموسيقى والفنونِ الجميلةِ، وتزمعُ تأسيسَ كليةِ الفنون والموسيقى، لكي تكونَ العمليةُ المعرفيةُ في الجامعة متكاملة. وتدرس الجامعة كذلك سبلَ تعزيز الانفتاح على المجتمعِ الأوسعِ عن طريقِ تطويرِ وتوسيع برامجِ التعليم المستمر ودمجِها في حياة الجامعة اليومية، وتحديثِ طرقِ ووسائلِ تدريسِ اللغات، وعلى رأسِها اللغةُ العربية، فاللغاتُ هي الحاملُ الأساسيُ للفكر.

كما تعملُ الجامعةُ على توسيعِ شبكةِ التعاونِ الأكاديمي والعلمي مع المؤسساتِ الزميلةِ في أنحاءِ العالم، والعالمِ العربي بشكل خاص. وتسعى إلى زيادةِ فرصِ التبادلِ الأكاديمي للطلبة والمدرسين، ولتطويرِ برامجَ مشتركةٍ مع جامعاتٍ أخرى في المنطقة والعالم.

أما النشاطاتُ الفكريةُ والفنيةُ والمختلطةُ، كما هو مؤتمرُكم هذا، فتعملُ الجامعةُ على إدماجِها بشكلٍ منهجي أكبرَ في حياتِها اليومية. وقد كانت النظرةُ التقليديةُ إلى هذه النشاطات تكمنُ في أنها نشاطاتٌ إضافية (بمعنى أنها مضافةٌ إلى المنهاج التعليمي)، ولكننا سنتعاملُ معها على أنها جزءٌ من العمليةِ التعليمية، وسوف تعملُ الجامعةُ كلَ ما في وسعها لتشجيعِها حتى تصبحَ مكونًا أساسيًا من مكوناتِ الحياةِ اليوميةِ في الجامعة، يرافقُ عمليةَ التعلم، وحتى ينخرطَ فيها أكبرُ عدد ممكن من الطلبة.

إن رسالةَ الجامعةِ الوطنيةَ والإنسانيةَ المرتبطةَ بالحريةِ والتعدديةِ وبالريادة والقيادة، التي تنطلقُ من رؤيةٍ وطنيةٍ واسعة تشملُ مكوناتِ الكينونةِ الفلسطينيةِ كاملةً: علمًا، وتراثًا، وثقافة، وفنًّا، ونضالاً، وعملاً، وإنتاجًا ماديًّا، إن هذه الرسالةَ تتطلبُ، لكي تتحققَ على أفضلِ وجه، تسخيرَ وشحذَ كلِ الطاقاتِ الكامنةِ في الجامعةِ بشكل تكاملي، لا يقتصرُ على تجميعِ هذه الطاقات، بل يقومُ على تقاطعاتِها المبدعة. فالتعليمُ، والبحثُ العلمي، والإنتاجُ الفني، والانتماءُ المجتمعيُ العضوي، والمساهمةُ في رفدِ الزراعةِ والصناعةِ والتجارة والخدمات، وتطويرُ القطاعاتِ كافة، كلُها تشكلُ أولوياتٍ للجامعة.

تتطلعُ الجامعةُ اليوم إلى رفعِ الكفاءةِ في الأداء، بحيث يتمُ رفعُ ما تقدمُه الجامعةُ إلى المجتمعِ أكثرَ كمًّا وجودةً عن طريقِ التعمقِ في الأداءِ وتحسينِه وليس بالضرورة عن طريقِ التوسعِ الكمي. وتعمل على إطلاقِ ودعمِ المبادراتِ الخلاقةِ من داخلِها، ومن شركائها، ومن خريجيها، وتوفيرِ البيئةِ الملائمةِ للإبداع، وللتميزِ؛ فالجامعةَ تسعى لأن مؤسسةً طليعية، ومثلاً يحتذى في بناءِ المجتمعِ الفلسطيني ومؤسساته الوطنية. ويتحققُ هذا الطموحُ من خلالِ إعدادِ الكوادرِ العلمية الوطنية، ورفدِ المؤسسات على تنوعها بمختصين كفؤين، منتمين إلى مجتمعهم، وبتعميق الشعور بالمسؤولية، والمساءلة، والعدالة.

أتمنى لكمُ النجاحَ في مهامِكم في مؤتمرِكم هذا وفي مشاريعِكم على اختلافها. وكلي ثقةٌ بأن نجاحَكم اليوم، سيكون حافزًا لمزيدٍ من العملِ والإبداع.